هل يتوافق قانون العمل مع الدستور؟
أديب خالد أديب خالد

هل يتوافق قانون العمل مع الدستور؟

في ظل الحديث عن مشروع جديد لقانون العمل رقم /17/ لا بد من أن يكون التعديل الجديد يتوافق والدستور الجديد الصادر عام 2012 لأن القانون رقم /17/ لعام 2010 أصبح غير دستوري بعد إقرار الدستور الجديد، وبعد الاستفتاء عليه من قبل الشعب عام 2012 ولا بَّد من تسليط الضوء على النصوص الدستورية التي أعطت الطبقة العاملة بعضاً من حقوقها، ونتمنى ضرورة مراعاتها قبل أن نقع في مطب عدم الشرعية الدستورية لقوانين العمل مرة أخرى.

فقد نص الدستور في المادة الثالثة عشْرة على الأسس التي يجب أن يبنى عليها الاقتصاد الوطني:

يقوم الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى زيادة الدخل الوطني، وتطوير الإنتاج ورفع مستوى معيشة الفرد وتوفير فرص العمل.
يقصد المشرع هنا: أن هدف التنمية الاقتصادية هو رفع مستوى معيشة المواطنين، وتوفير فرص عمل للمواطنين، وليس فقط وضع هدف وحيد وهو التنمية الاقتصادية، والتي عادة ما تكون على حساب معيشة المواطنين وعلى حساب الطبقة العاملة، وعلى قوانين العمل أن يكون هدفها تطوير الإنتاج ورفع مستوى معيشة العامل، لا أن تكون مشرعة لحماية مصالح أرباب العمل، ومعطلة لعملية الإنتاج، كما باتت القوانين الحالية.
2– تهدف السياسة الاقتصادية للدولة إلى تلبية احتياجات الأساسية للمجتمع والأفراد، عبر تحقيق نمو اقتصادي، وعدالة اجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمستدامة.
حدد المشرع هدفاً واضحاً للسياسة الاقتصادية، وهو: تلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع مع اعتماد مبدأ تحقيق نمو اقتصادي مع العدالة الاجتماعية، والسياسة الاقتصادية للحكومات السورية المتعاقبة تتجاهل هذه المادة حيث تسعى إلى تحقيق نمو اقتصادي على حساب الطبقة العاملة مع غياب كامل لأية عدالة اجتماعية، حيث يجري تحميل وزر الأزمة للطبقة العاملة وعموم الفقراء، عبر تسويف ومماطلة في مطالبهم ورفع الدعم عنهم، بينما يتم دعم طبقة التجار والمستثمرين فقط.
3– تكفل الدولة حماية المنتجين والمستهلكين........... وتعمل على تطوير الطاقات البشرية، وتحمي قوة العمل بما يخدم الاقتصاد الوطني.
ألزم المشرع الدولة بحماية المنتجين والمستهلكين وحماية قوة العمل (أي: العمال) والعمل على تطوير طاقاتهم بما يخدم الاقتصاد الوطني، وقد أصبحت المواد التي تنص على التسريح التعسفي من العمل في قوانين العمل غير دستورية، وجديرة بإلغائها لمخالفتها الدستور الذي نص على حماية قوة العمل لا على التفريط بها وبحقوقها.

ونص الدستور في المادة الأربعين على حق العمل وقد جاء فيها ما يلي:

العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين، ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال.
الدستور نص قبل شيء على أن العمل حق قبل أن يكون واجباً على المواطن، وألزم الدولة على توفيره لجميع المواطنين، وأحال إلى القانون تنظيم شروط وحقوق العمل، ولكن بشرط أن تراعي هذه القوانين الدستور نصاً وروحاً، لأنه يعتبر القانون الأسمى في الدولة.
لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على ألّا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات المعيشة وتغيّرها.
لكل عامل أجر عادل يضمن متطلبات المعيشة وتغيّرها وأن يراعي ارتفاع الأسعار ويتناسب معها طرداً.
أي: أن المشرع ربط الحد الأدنى للأجور بالأسعار وهناك اليوم هوة كبيرة بين مستوى الأجور والأسعار حسب (تصريح المكتب المركزي للإحصاء) وبالتالي ربط الأجور بالإنتاج كما يسوق له البعض في الحكومة منذ فترة يتعارض والدستور.
تفعيل اللجنة الوطنية لتحديد الأجور وتعديل عضويتها بحيث تكون ثلاثية بين منظمات أرباب العمل، والعمال، والحكومة، وتصدر قراراتها بالتوافق.
تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعمال. هل يتم العمل بهذه القاعدة الدستورية في قوانين العمل؟

المادة الرابعة والأربعون

للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر السلمي والإضراب عن العمل في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة هذه الحقوق.
الدستور أعطى الطبقة العاملة حقها في الاحتجاج على ظروف عملها من خلال الإضراب السلمي، وأحال إلى القانون تنظيم ممارسة هذا الحق وليس إلغاءِه، وبما أن القانون رقم /17/ لم يُشر إلى هذا الحق لأنه لم يكن منصوصاً عليه بالدستور السابق، لذلك لا بد من تنظيم ممارسة هذا الحق في القانون الجديد، وإلغاء جميع النصوص التي تحرم تنظيم أية اجتماعات تحصل داخل أماكن العمل، ولا بدَّ من تلافي هذا العيب في المشروع الجديد، والنص صراحة على حق الإضراب.

المادة الحادية والخمسون

حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والمراجعة والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون، وتكفل الدولة المساعدة القضائية لغير القادرين وفقاً للقانون.
يعتبر حق التقاضي من أهم الحقوق الدستورية للمواطن، ومن هنا يجب إيجاد حل للمواد المتعلقة بعمل المحكمة العمالية والتي تعد ظالمة بالنسبة للعمال، بسبب نفوذ أرباب العمل، وبسبب نصوص قانون العمل نفسها التي تقف في صف رب العمل، لدرجة أنه يحق لرب العمل رفض قرارات المحكمة العمالية وتسريح العامل من عمله، عدا عن بقاء القضايا العمالية لسنين في المحاكم دون أن تفصل بها، وهو ما يضيع حقوق العمال.

مهلة ثلاث سنوات

الدستور الجديد نص أيضاً في المادة الثالثة والخمسين بعد المائة على أنه: (تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إقرار هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يتوافق مع أحكامه، على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية)، ولكن ومع مرور ثلاث سنوات على انتهاء المهلة الدستورية، لم يتم لغاية الآن تعديل أية قوانين، وخصوصاً ما يتعلق منها بمستوى معيشة المواطن والأجور والعدالة الاجتماعية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
907
آخر تعديل على الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2019 13:54