أهمية قانون العمل
يحتل قانون العمل أهمية كبيرة تفوق غيره من القوانين الأخرى، وتظهر هذه الأهمية في ناحيتين: أهميته بالنسبة للأفراد، وأثره على الحياة الاقتصادية.
أهميته بالنسبة للأفراد
إن قانون العمل يمسّ المصالح الحيوية لمجموعة كبيرة من السكان هم: العمال الذين يشكلون الأكثرية الساحقة من السكان العاملين الذين يقومون بعمل تابع لحساب وتحت سلطة وإشراف غيرهم، واعتمادهم في معيشتهم غالباً على هذا العمل، وما يتقاضون من أجر مقابل ذلك، وتبرز الأهمية الاجتماعية لهذا القانون الذي يُطبق عليهم، وهم يمثلون الجانب الأكبر من المجتمع، فهذا القانون ينظم كيفية حصول هذه الشريحة الكبيرة على ما تستحقه من أجرٍ مقابل العمل، كما يحدد ساعات العمل وأوقات الراحة والإجازة السنوية والمرضية، كما يُحقق هذا القانون تحسيناً لظروف العمل ويتضمن قواعد لحماية فئات معينة كالأحداث والنساء، ويمكن القول: إنه بمقتضى قانون العمل (يتحدد الوضع الإنساني واللاإنساني لحياة العمال).
قانون العمل والسلم الاجتماعي
إن تعلق قانون العمل بمجموعة كبيرة من أفراد المجتمع وأثره في حياتهم الشخصية والعائلية، يُظهر أهميته البالغة للسلم الاجتماعي. إذ يعتبر من أهم عوامل إقرار هذا السلم، لأنه بتدخله المتزايد في حياتهم وما يوفره لهم من حماية يساعد على إرساء الاستقرار، ويقضي على أسباب النزاع والسخط والتذمر، لهذه الأسباب تبرز أهمية قانون العمل للسلم الاجتماعي حيث إن سيادة هذا السلم تؤدي إلى تحسين شروط الإنتاج وزيادته. إن قانون العمل لا يتوصل لتحقيق هذا السلم بمجرد إيجاد نوع من التنظيم لعلاقات العمل بل يعبر بوضوح عن العدالة الاجتماعية، وذلك بوضعه أسساً للتوازن الضروري بين مصالح العمال وأصحاب العمل.
قانون العمل والحياة الاقتصادية
إن التشريع الاجتماعي يعتبر مكملاً للتشريع الاقتصادي فما بين السياسة الاجتماعية والسياسة الاقتصادية ارتباط لا يمكن معه فصل إحداهما عن الأخرى، وإن هذا الارتباط يتفق مع طبيعة الأشياء، ومع الترابط الوثيق بين الاقتصاد والاجتماع، الذي يجعل كل محاولة لفك الرباط بينهما زائلة الأثر.
إن الأهداف الاجتماعية تؤدي إلى تعدد مجالات النشاطات الاقتصادية من حيث توجيه رأس المال نحو استثمارات في قطاعات أخرى جدّية، وهذا يدفع إلى توجه التشغيل نحو القطاعات الاقتصادية الجديدة، ولا شكّ أن لكل ذلك آثاره الإيجابية على الإنتاج والدخل القومي.
كما تظهر أهمية قانون العمل في مدى التأثير على الإنتاج، فنرى مثلاً: إن قانون العمل يحدد كمية العمل عندما يضع حد أقصى لساعات العمل اليومي، أو يضع شروطاً معينه لتشغيل العمال، فيستبعد بعض الفئات من القيام بأعمال معينه كالأحداث والنساء، ولا شك في أن آثار ذلك تنعكس على الإنتاج، إذا بقيت عناصر الإنتاج الأخرى ثابتة، فأثر قانون العمل كبيرٌ على مردود النشاط الاقتصادي، ولا يمكن القول بأنّ أثر هذا القانون هو الإضرار بالاقتصاد الوطني، وذلك لأن تجديد مدة العمل ومنع بعض فئات العمال من القيام بأعمال معينة، وتحديد السن، كل ذلك يؤدي إلى ضمان سلامة العمال وقوتهم وبالتالي قيامهم بأداء عملهم بشكل أفضل مما يؤدي تبعاً لذلك إلى ارتفاع إنتاجهم.
إن قانون العمل يؤثر على الدخل القومي والقوة الشرائية، وذلك عندما يضع أو يحدد أجراً عادلاً للعامل، إذ أن مجموع الأجور يؤلف أحد العناصر الرئيسة للدخل القومي، وهذا يؤثر على الاستهلاك فيزيد القدرة الشرائية للعمال.
لقد أنتجت السياسات الاقتصادية الليبرالية للحكومات السورية قوانين العمل (القانون رقم /50/ لعام 2004 للعاملين في الدولة) (وقانون العمل رقم /17/ لعام 2010)، حيث تشير الفلسفة التشريعية لهذين القانونين التوجه الحكومي الواضح نحو دعم أصحاب العمل على حساب الطبقة العاملة، وما سبّبه ذلك من اضطراب في أوضاعها وتراجع مستوى معيشتها لحساب أصحاب الربح، كما ألحقت ضرراً في الاقتصاد الوطني، نتيجة تراجع القوة الشرائية للعامل بسبب سياسة الأجور المتبعة في القوانين، وزيادة نسبة البطالة بسبب تشريع التسريح التعسفي من العمل، عدا عن توجيه رؤوس الأموال نحو المشاريع التي تهم الطبقة المخملية وذات الريعية العالية كالسياحة والفنادق والعقارات والبنوك، وإهمال للصناعة والزراعة التي تلبي الحاجات الرئيسة للمواطن.