في أبراجهم جالسون!
إن كنت تعلم فتلك مصيبة، وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم!
ينتابنا شعور بالغضب والسخط واليأس نحن المقهورين بأزماتنا المتلاحقة، والتي هي متوالية ومستمرة لعقود سابقة، وربما تستمر أكثر طالما استمر تفسير تلك الأزمات التي نصاب بها بأنها أزمات مفتعلة، وهي من ترتيب قوى الخارج وقوى التآمر الخارجي بينما الواقع هو مفبرك، ولا أساس له من الصحة، وهذا «تجنٍّ» على أداء من بيده الحل والعقد، في ما ابتلينا به من أزمات وكأن هناك انفصاماً ما بين الواقع الذي يعيشه الناس، وما بين من هم جالسون في أبراجهم يطلقون التصريح تلو الآخر، بأن كل ما يعيشه الناس من ضنك العيش هو غير صحيح، وهو من فعل وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الوسائل الملعونة التي تتجنى عليهم وتسود صورتهم أمام المواطنين «الجشعين» في مطالبهم، فما حاجة الناس للغاز الذي زاد الطلب علية وأخذت الطوابير منهم تتجمع كلما نادى المنادي بأن هناك سيارة غاز ستصل إلى المكان الفلاني ليركض المواطنون إلى المكان، ويصطحبوا معهم كل وسائل التسلية والترفيه لأن المشوار طويل، وقد يأخذ ساعات من الانتظار، وهذا الوقت المصروف لصالح انتظار سيارة الغاز لا حاجة لهم به يقضونه بالسير والحكايات، فجرة الغاز المنتظرة يحق لها ما لغيرها من التقدير والاحترام والتبجيل.
والمازوت وما أدراك ما المازوت فحدِّث ولا حرج! فقد تم استبداله عند معظم الفقراء بما يجمعونه من بقايا الكرتون وقطع البلاستيك والأقمشة ليشعلوه في مدافئهم غير آبهين بما يولده اشتعال تلك المواد من أضرار وأمراض فهم اكتسبوا المناعة المطلوبة خلال الأزمة الوطنية ليصدوا بها عن أجسادهم وأطفالهم معهم كلّ ما تحدثنا عنه من احتمالات الإصابة، بينما المترفون والمنعمون يعيشون بأمن الدفء ويستمتعون بالصحة والعافية التي يمنحهم إياها المازوت الذي يحصلون عليه لتشغيل مراجل شوفاجاتهم المركزية بكل يسر وسهوله، غير آبهين ببرد قارص ينخر عظامهم.
وللكهرباء وانقطاعاتها حديث يطول، فهذا المرض قديم جديد، وليس له علاج طالما أن وسائل التواصل الاجتماعي تتآمر وتفبرك المشاهد والفيديوهات، كما صرح أكثر من مسؤول عن هذا لتبرير الأزمات التي نصاب بها نحن الفقراء فقط، فهذه الأزمات لا تصيبهم فهم يأخذون لقاحاتهم بشكل مسبق لتحميهم منها.
أيها الجالسون في أبراجكم: مآسينا التي نعيش تتراكم يوماً بعد يوم والتراكم في لغة الفلسفة يعني أشياء كثيرة.. وصلت الفكرة؟