المؤتمرات والانتخابات النقابية على الأبواب  كيف ستكون؟

المؤتمرات والانتخابات النقابية على الأبواب كيف ستكون؟

مرت الحركة النقابية بمسارات صعبة منذ تأسيسها كحركة معبرة عن مصالح الطبقة العاملة، ومدافعة عن حقوقها الاقتصادية والديمقراطية والسياسية. استطاعت الحركة أن تتجاوزها أحياناً بصعوبة، بسبب الأوضاع السائدة، السياسية والتنظيمية للقوى الفاعلة في الحركة، مما انعكس على واقع الحركة النقابية من حيث دورها الفاعل في تمثيل مصالح الطبقة العاملة.

 

وهنا نود إعطاء بعض الإشارات التي نراها هامة في استنباط الدروس والتجارب التي مكنت الحركة النقابية من أخذ موقعها على خارطة القوى السياسية الأساسية الفاعلة على الأرض.
إن الحركة النقابية ولدت من رحم الحركة الوطنية التي ناضلت ضد الاستعمار الفرنسي، إلى جانب نضالها من أجل تحسين شروط العمل وزيادة الأجور، والوصول إلى ثماني ساعات عمل، هذه المطالب التي كانت تنكرها عليها البرجوازية الوطنية والشركات الأجنبية التي استقدمها الاستعمار معه. وما كان لهذا الواقع الذي عاشته الحركة النقابية والعمالية أن يتغير، لولا الجهود المضنية التي بذلها الرواد النقابيون الأوائل في أن تكون الحركة النقابية مستقلة في قرارها وبرنامجها المعبر عن تمثيلها لمصالح الطبقة العاملة، والاستقلالية في القرار تعني: اندماج قيادة الحركة النقابية في الحركة العمالية، وتفاعلها القوي مع القواعد العمالية، وقيادتها المباشرة للفعاليات النضالية المباشرة: كالإضرابات، والاعتصامات وغيرها... ويشهد على قوة وفعالية هذه الأفعال ما جرى في المؤتمر الخامس للنقابات حيث اضطر البرلمان تحت ضغط المؤتمر، أن يوافق على أول قانون عمل يصدر في عهد ما بعد الاستقلال. القانون الذي تضمن المطالب الأساسية التي تقدم بها المؤتمر. كما يشهد على فعالية الحركة النقابية في حينها، الإضرابات التي قام بها عمال النسيج في حمص وتضامن عمال دمشق معهم، ودعمهم بإنشاء صناديق دعم الإضرابات لكي يستمر عمال حمص في إضرابهم حتى تحقيق أهدافهم المعلنة المطلوب تحقيقها من أرباب العمل! وهذا مثال من آلاف الأمثلة التي تؤكد على أن قوة الطبقة العاملة وحركتها النقابية لم تأت من حالة فراغ بل جاءت بفعل التلاحم الكفاحي بين القيادة والقاعدة العمالية التي أوجدت تلك القيادة، ووثقت من قدرتها على الثبات في الأوقات العصيبة في الأزمات، وقدرتها على المواجهة والمجابهة مع القوى التي تعيش على استغلال جهد وعرق العمال، ومراكمة الأرباح دون اكتراث بمطالب العمال وحقوقهم المشروعة.
إن الحركة النقابية والعمالية تعيش الآن أوقاتاً عصيبة تشبه تلك التي عاشها العمال الأوائل من حيث الواقع المعيشي المتردي، بسبب الدور الذي لعبته السياسات الاقتصادية الليبرالية والتشريعات والقوانين التي صادرت حق الطبقة العاملة في مواجهة مستغليها، في الوقت الذي أطلقت يد قوى السوق وأرباب العمل في فرض مصالحهم وشروطهم، التي هي تعبير عن قوانين السوق المتوحشة، مما أدى إلي زيادة معدلات الفقر والبطالة وأعداد المهمشين، كل هذا كان يجري تحت أنظار القوى المفترض بها أنها تعبر وتدافع عن مصالح وحقوق الطبقة العاملة، ولكنها لم تحرك ساكناً بالمعنى العملي الذي يدفع الأذى عن العمال بمصالحهم وحقوقهم.
المؤتمرات النقابية والانتخابات التي ستجري في الوقت القريب قد تكون فرصة مناسبة لإعادة هيكلة الحركة النقابية بما يتناسب والظروف الاستثنائية التي يمر بها وطننا الحبيب، من أجل أن تكون الحركة النقابية والعمالية قادرة على المواجهة مع قوى النهب والفساد الكبير، التي أعدت نفسها منذ وقت ليس بالقصير كيما يستمر نهبها للاقتصاد الوطني. هذا النهب الذي تعبر عنه معادلة توزيع الدخل الوطني، عندما تحصل الأغلبية من أصحاب الأجور على أقل من 20% من الدخل، ويتوزع الباقي على قطاعات الربح، وبالجزء الأعظم منها للقلة من أصحاب الأرباح الكبرى. والتي أصبحت تعتمد على الوسائل الريعية لتحصيل الربح، أكثر مما ينتج الربح من الإنتاج الاقتصادي الحقيقي، المولد لفرص العمل والمولد للثروة التي يحتاجها الشعب السوري من أجل تحقيق التنمية ونسب النمو المطلوبة لإعادة بناء ما دمرته الحرب من بشر وحجر.
 إن الظروف الموضوعية مواتية، وأصبح الصراع مكشوفاً شكلاً ومضموناً بين الناهبين والمنهوبين، ولا خيار لنا نحن فقراء الشعب السوري سوى الدفاع عن لقمتنا وكلمتنا كي نستعيد ثروتنا.

آخر تعديل على الإثنين, 07 كانون2/يناير 2019 15:39