لا نحتاج تشاركيتكم
غزل الماغوط غزل الماغوط

لا نحتاج تشاركيتكم

يدور الحديث في أروقة الحكومة وأمام وسائل الإعلام على نحو مستمر حول مسألة تحويل الشركات من خاسرة إلى رابحة، وتؤكد وزارة الصناعة على الدوام أن أولوياتها تتمثل «برفع قيمة الشركات والمؤسسات العامة الصناعية ومساهمتها بالناتج المحلي، مع الحفاظ والتمسك بعمال هذه الشركات وتحسين وضعهم المالي، ليس فقط عبر الأجور وإنما من خلال اعتماد منظومة خاصة للحوافز والأرباح أيضاً».‏

والواقع أن تحقيق هذه الغاية هو مطلب عمالي قبل كل شيء، ويعد جزءاً من حلٍّ لإعادة دوران عجلة الإنتاج وتحسين الدخل والوضع المعيشي تباعاً، لكن الطبقة العاملة السورية تعي تماماً: أن القول شيء والفعل شيءٌ آخر، وأن الحكومة ما تزال مصرة على التمسك بنهج اقتصادي يحابي أصحاب الأموال على حساب العمال، فواقع الحال يقول: أن المشكلة الأساس هي بالأجر المجمّد من قبل الحكومة، وليس بمتمماته تحت مسميات التعويضات والحوافز والأرباح كحقوق.
تجربة مبدئية
إحدى التجارب التي تم العمل بها على مستوى الجانب المتمم للأجر كأحد الحقوق المحصلة من العاملين لقاء جهدهم وعملهم، جاءت لتثبت: أن مثل هذا التوجه ممكن وأن إعادة الحياة إلى الشركات المتعثرة والمتوقفة أمر لا يمر قطعاً من دروب الخصخصة والتشاركية وإعادة الهيكلة.. وغيرها من المصطلحات التي تقع جميعاً ضمن إطار التخلي عن قطاع الدولة وخصخصته بالتدريج.
التجربة تعود إلى المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، إذ قامت بمبادرة تهدف من خلالها إلى ربط الإنتاج بمتممات الأجر (الحوافز الإنتاجية) بهدف زيادة إنتاجية العامل وتحفيزه وتحسين وضعه المعيشي عبر منح الشركات التابعة لها مكافأةً مالية حسب إنتاجيتها وفق نظام الشرائح.

في التفاصيل
لقد تم العمل بهذا النظام من خلال أسلوب مدروس مسبقاً من قبل لجان مختصة، وجرى تطبيق ذلك في «الساحل للغزل» و»الشركة العامة للخيوط القطنية في اللاذقية» و»الشركة العربية المتحدة للصناعة_ الدبس» عبر اقتراح مكافأة للعمال المتفوقين حسب نسب تنفيذ إنتاجهم، حيث تم تقسيم العمال إلى أربع شرائح، حسب نسب التنفيذ ومقدار المكافأة المقترحة، وتضمنت الشريحة الأولى من تبلغ نسبة تنفيذه ما يعادل أو يزيد عن 91% من الإنتاج المخطط، ويحصل على المكافأة الأعلى، في حين تبلغ نسبة تنفيذ الشريحة الثانية من الإنتاج المخطط ما يعادل أو يزيد عن 81%، أمّا الشريحة الثالثة فتبلغ 71%، والرابعة 60%. وتمنح المكافآت التشجيعية وفق هذه الشرائح على أن يطبق عبء العمل المقترح على العامل الملتزم بالدوام خلال شهر كامل وتسمح له بالحصول على الإجازات المحددة له شهرياً.
لا حاجة للتشاركية
هذه التجربة ساهمت في رفع حصة العمال في أرباح شركاتهم وجعلتهم أوثق صلة بآلاتهم ومعاملهم التي لم يتخلوا عنها في أحلك الظروف، وزادت دخولهم، كما أنها ضاعفت من إنتاجية الشركات وساعدتها على تجاوز جانب من تداعيات الأزمة.. كل ذلك يجعلها في واقع الأمر مقدمة في حال تم تعميمها وتطوير العمل فيها، مع ضرورة مواكبتها بزيادة الأجور نفسها، باعتبارها حقاً أولاً، وكونها المحفز الأكثر تأثيراً وفعلاً على مستوى العمل والإنتاجية.
والسؤال هنا: ما دام ثمة طرائق لتحسين واقع الصناعة السورية دون الحاجة إلى الوقوع بين براثن التشاركية وغيرها من مقدمات الخصخصة، سواء عبر زيادة الأجور، أو من خلال زيادة حصة العامل في متممات الأجر المرتبطة بالإنتاج، فلماذا تتمسك الحكومة بالتشاركية وتذكرنا في كل لقاء أو كلمة أنها السبيل إلى إنقاذ الاقتصاد السوري والنهوض به؟
باختصار
مما لا شك فيه، أن أسلوب التحفيز وربطه بالإنتاج هو أسلوب قديم، ولعل التجربة أعلاه تثبت قابلية هذا الأسلوب على التجدد بما يحقق الغاية منه، سواء على مستوى دفع العملية الإنتاجية، أو بما يؤمن جزءاً من حقوق العاملين، ولعل هذه التجربة تعتبر واحدة من تجارب كثيرة يمكن تطبيقها للنهوض بالاقتصاد السوري، ولا تنقصنا الكفاءات للخروج بتجارب مماثلة، كما لا ينقص عمالنا إيمانهم العميق بضرورة التمسك بالقطاع العام الذي سمح للدولة بالصمود طوال سنوات الحرب، مع التأكيد بأن كل ما يمكن أن يطبق على هذا المستوى من تجارب لا يمكن أن يكون بديلاً عن حق العاملين بأجر عادل يؤمن متطلبات العيش الكريم.