قراءة في مشروع قانون الاستثمار
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

قراءة في مشروع قانون الاستثمار

وضعت رئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون الاستثمار الجديد على موقعها الإلكتروني الرسمي لإبداء الآراء والمقترحات حول المسودّة الأولية منه، وهذا الأسلوب تتبعه الحكومة في القوانين التي تهم قوى رأس المال فقط، فهذه هي ديمقراطية رأس المال، أما القوانين التي تخص الطبقة العاملة فيتم إصدارها عادة دون أن تطرح للنقاش العام، وتفرض فرضاً على العمال.

بالعودة إلى قانون الاستثمار فقد جاء كالقانون السابق مع إضافة العديد من المميزات لقوى رأس المال المحلية والخارجية، وزيادة الدعم المقدم لهم إلى درجة كبيرة تصل حتى تحميل خزينة الدولة لبعض التزامات التجار وتقديم إعفاءات ضريبية تصل نسبتها إلى 75% ولمدة سبع سنوات، في حين تجيب الحكومة على مطالب العمال بزيادة أجورهم بعدم توفر الموارد الكافية، وأن عليهم العمل بوطنيتهم والتمتع بالصبر، ولكن فجأة تتوفر الموارد وتزدهر خزينة الدولة لتلبية مطالب قوى رأس المال التي لا تنتهي ولا تقف عند حد معين.
ضمانات الاستثمار
في ضمانات الاستثمار التي ستمنح للمستثمر، أكد مشروع القانون على حرية الاستثمار ومنع الاحتكار في مختلف النشاطات الاقتصادية، وهذا يدل على أن الدولة تسير في خططها للانسحاب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية وعدم حصر بعض المشروعات الهامة بجهاز الدولة وهذا ما سيعِّرض معامل القطاع العام لمنافسة غير شريفة مع القطاع الخاص، الذي سيحظى بامتيازات لن تتمتع بها المشاريع الحكومية.
عدم نفاذ القرارات والبلاغات الصادرة عن الجهات العامة، والتي تعيق عمل المشروع، وهذا يعني: إخراج المشاريع الاستثمارية من نطاق المراقبة الحكومية والاستغناء عن مبدأ سيادة القانون في الأراضي السورية، وإعطاء سلطة للمستثمر فوق سلطة جهاز الدولة والقانون، إضافة إلى عدم إلغاء إجازة الاستثمار و/ أو سحب تراخيص وموافقات المشروع و/ أو إيقاف تخصيصه بالعقارات، إلا في حال وجود مخالفة وبعد إخطار المستثمر وإعطائه مهلة ستين يوماً لإزالة أسباب المخالفة، ولكن هذه المادة تتناقض مع المادة السابقة والتي نصت على عدم نفاذ القرارات والبلاغات التي تصدرها الجهات العامة التي تؤثر في عمل المشروع، فمن يملك صلاحية محاسبة المستثمر في حال ارتكابه للمخالفة إذاً؟؟
مزايا وحوافز الاستثمار
_ مزايا متنوعة أعطاها مشروع القانون للمستثمر من إعفاءات ضريبية نصت عليها المادة الخامسة تصل إلى 75% من الأرباح لمدة سبع سنوات حسب شروط محددة أو 50 % لمدة خمس سنوات، كما يجوز لرئيس مجلس الوزراء تمديد هذه الإعفاءات لثلاث سنوات أخرى، وللمجلس بناء على اقتراح مجلس الإدارة منح حوافز خاصة (غير ضريبية) إضافةً إلى ما هو وارد في المادة /5/ ومن هذه الحوافز:
_ تحمل هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات نسبة 50 % من إجمالي اشتراكات التأمينات الاجتماعية المتوجبة على المستثمر ربّ العمل عن العمال المسجلين لمدة خمس سنوات، أي: تحميل التزامات رب العمل للخزينة العامة، بما يشكل زيادة في أرباح المستثمر وضغطاً على الخزينة العامة التي تؤمن أموالها من الضرائب التي تجمعها من جيوب المواطنين.
_ تحويل المؤسسات الحكومية من مؤسسات تدخل إيجابي لصالح المواطن، إلى مؤسسات توضع في خدمة المستثمر لتسويق بضائعه حيث تلتزم الدولة بشراء نسبة لا تتجاوز 15 % من منتجات المشروع والمساهمة في تسويقها من خلال المؤسسات العامة.
_ تقسيط أو تحمّل هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات نسبة 25 % على الأكثر من فواتير» تعرفة استهلاك أو بدلات بعض الخدمات العامة، وتحميل الخزينة العامة لتعرفة استهلاك المستثمر للكهرباء أو المياه مقابل رفع تعرفة الاستهلاك على المواطنين، أي: عملياً يجري تحميل المواطن فاتورة استهلاك المستثمر.
_ تأمين أراضٍ وعقارات مملوكة للدولة دون مقابل أو بأسعار مخفّضة، في وقت يتم فيه رفع أسعار الأراضي للمشاريع السكنية والذي يؤدي إلى زيادة جنونية في أسعار العقارات، في المقابل يتم تقديم العقارات مجانا للمستثمرين!! كما سمح لهم بتجاوز سقف الملكية المحدد وفقاً للقوانين والأنظمة، في نفس الوقت يتم انتهاك حق الملكية للمواطن بحجة تنظيم المناطق التي طالتها الحرب وفق القانون رقم 10.
حقوق المستثمر
يحق للمستثمر الاقتراض بالليرة السورية أو القطع الأجنبي من البنوك المحلية، ويحق له تحويل أرباحه وحصيلة التصرف برأسمال من المشروع إلى الخارج، وهذا يؤكد أن المشاريع الاستثمارية لن تجلب رؤوس الأموال من الخارج إلى الداخل كما يتحفنا البعض، بل ستكون وجهتها من الداخل نحو الخارج، وهذا سيؤدي إلى زيادة الطلب على النقد الأجنبي وبالتالي انخفاض في القيمة الشرائية لليرة السورية وتراجع مستوى معيشة المواطن، وخاصة أن أرباح المشروع لن تشكل قيمة مضافة للاقتصاد بل سيتم تحويلها للخارج.
بالمرور على هذه البنود الرئيسة من مشروع القانون يمكن القول: إن هذا المشروع لا يحقق أدنى الشروط الدستورية لإصداره وأنه سيكون بمثابة الكارثة على السوريين في حال إقراره كما كانت القوانين السابقة التي مهدت له من حيث تضحيته بسيادة القانون واستنزافه لجيوب السوريين، ويؤدي إلى ضغطٍ على القطع الأجنبي لدى البنوك مما سيدهور المستوى المعيشي للسوريين المتدهور أصلاً بفعل السياسات الليبرالية الاقتصادية للحكومات السورية المتعاقبة.