شهيد على جبهة العمل!
سمر علوان سمر علوان

شهيد على جبهة العمل!

قبل بضعة أيام أدت حادثة مؤلمة وقعت في إحدى شركات القطاع الخاص إلى وفاة عامل إثر تعرضه لإصابة عمل شديدة، وكان سبب الوفاة كما شخصه الأطباء تمزقاً حاداً في الطحال، في حين أن سبب الحادثة كان سلسلة طويلة من التقصير والإهمال واللامبالاة بحقوق العمال تتحمل مسؤوليتها إدارة المنشأة، ونقابات العمال، والحكومة على حد سواء!

 

القصة كاملة
يروي عدد من العمال في شركة زنوبيا لصناعة مواد البناء: أنهم صعدوا إلى سطح أحد الهنغارات بغرض تنظيف المزراب المنسطم بصحبة الفقيد، الذي كان قد بدأ العمل في المنشأة منذ أشهر، لكن حظه العاثر وحداثة عهده بالمكان جعلاه يغفل عن واحدة من الفجوات المغطاة بالبلاستيك مما تسبب بسقوطه من ارتفاع يقارب تسعة أمتار ليرتطم رأسه برافعة سببت له أذية في الرأس والأذن، قبل أن يقع أرضاً ما أدى إلى تكسر أربعة من أضلاعه.
ولأن المنشأة تخلو من سيارة إسعاف أو فريق طبي أو حتى ممرض واحد، لم يكن بوسع العمال سوى حمل زميلهم على إحدى الروافع الشوكية المخصصة لنقل مواد البناء «ستافة” بعد تمديده على أحد الألواح مسافة نحو 200 متر قبل أن يعثروا على سيارة “بيك أب” تقلهم إلى أقرب مستشفى.
أما ما زاد الأمور سوءاً فقد كان وجود المنشأة في تجمع عمالي يفتقر إلى أية نقطة طبية أو إسعافية، مما اضطر العمال إلى نقل زميلهم مسافة طويلة في سيارة تفتقر إلى أبسط شروط السلامة، وبغياب أية إسعافات أولية.
ختام المأساة
بعد وصولهم إلى إحدى المشافي الخاصة، تم رفض استقبال المصاب بسبب غياب أجهزة التصوير الطبقي المحوري، مما أجبر العمال على البحث عن مشفى آخر قبل أن يجدوا ضالتهم في مشفى خاص في منطقة الميدان، وهناك اصطدم العمال برفض الإدارة استقبال المريض قبل توفير دفعة أولية، وخاضوا في مفاوضات طويلة لإقناعها بإسعافه، وفي النهاية سُمح بتمرير المصاب لكن بعد قليل تبين أن الأوان قد فات.
مفارقة مؤلمة
في الوقت الذي كان فيه العمال يناضلون لإنقاذ حياة زميلهم كانت شركة زنوبيا تستقبل فريق إنتاج بغرض تصوير إعلان عن الشركة، ولإبرازها في صورة حسنة، وزعت الإدارة على بعض العمال اللباس العمالي الواقي المؤلف من أفرهول وحذاء «سيفتي» وخوذة، لكنها ألزمت هؤلاء العمال بالتعهد بإعادة اللباس إلى الشركة حال الانتهاء من التصوير! وفي ذات الوقت صارع الشاب المصاب الموت إثر سقطة كان من الممكن الحد من مخاطرها فقط لو توفر له هذا اللباس.
أضف إلى ذلك أن عمليات التصوير عرقلت إسعاف المصاب، وتشاجر العمال مع فريق الإنتاج قبل أن يسمح لهم بالمرور، أما إدارة المنشأة فلم تلق بالاً للحادثة، وأصرت على متابعة التصوير حتى الثامنة مساء.
“لو كنا آلات”
تسببت هذه الحادثة باستياءٍ واسعٍ بين العمال، حيث شعر كثيرون أن حياتهم بلا قيمة، وأن الإدارة كانت لتبدي ردة فعل أفضل لو أن عطلاً ما أصاب إحدى آلاتها، فهذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، وقد سبق لهم أن شهدوا مآسٍ مماثلة، سببها بيئة العمل الخطرة للغاية من جهة وتقصير الإدارة القاتل في توفير أي من وسائل الوقاية والسلامة المهنية، رغم أن في تقصيرها هذا مخالفة صريحة للقانون السوري، الذي يفترض توفر كادر طبي وسيارة إسعاف في المنشآت الكبيرة، فما بالك بشركة يعمل فيها أكثر من ألف عامل في مهنة بمنتهى الخطورة.
العمال كانوا قد طالبوا مسبقاً بحقهم هذا إلا أن أحداً لم يصغ إليهم، ولم تكبد الشركة نفسها عبء إحضار ولو ممرض لمعالجة الحالات الطارئة.
بصمتٍ تامٍ؟
لم تتكلف الإدارة عناء تعليق «نعوة” للعامل الفقيد، ولا تكريمه تطييباً لخاطر أسرته التي فقدت المعيل والأب، ولم يبق لزوجه وأطفاله اليتامى سوى ذكرى الفجيعة المؤلمة، ومبلغ نقدي بسيط دفعته الشركة كتعويضٍ، كذلك لم تبد النقابات أية ردة فعل، وما اتخذت أي إجراء يذكر، ورغم أنها كما يفترض: الجهة الناطقة باسم العمال، فقد اختارت الصمت والتغاضي عن المأساة، تاركة العمال ليقاتلوا وحدهم ومتخلية عن دورها كممثل للعمال.