تساؤلات للحوار
الدورة النقابية الـ 26 تقترب من نهايتها، وهذا يضع على عاتق قيادة الحركة النقابية بالدرجة الأولى، وعلى كوادرها تقييم تجربة العمل النقابي بما لها وما عليها خلال الفترة المنصرمة من عمر الدورة الانتخابية السادسة والعشرين.
وبهذا الفعل إذا ما جرى، فإن الحركة النقابية تكون قد ذهبت بخطوات حقيقية على طريق تطوير أدائها وبرنامجها وخطابها بما يتناسب والمرحلة المقبلة، مع قدوم الحل السياسي الذي سيكون الصراع فيه مفتوحاً حول القضايا المصيرية، ليس للطبقة العاملة فقط بل لعموم فقراء الشعب السوري، أي: حول شكل توزيع الثروة التي ينتجها الكادحون في بلدنا، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بالتفاعل مع القواعد العمالية، أي: أن تقول هذه القواعد كلمتها بخصوص مصالحها الجذرية وبممثليها، والدور الذي أدوه أو لم يؤدوه دفاعاً عن مصالحها وحقوقها التي جرى الانتقاص منها، والاعتداء عليها، من خلال تبني السلطة التنفيذية لنهج الاقتصاد الليبرالي (اقتصاد السوق)، المعتمد في توجهاته على ما قدمته المؤسسات المالية الرأسمالية (صندوق النقد الدولي) من اقتراحات ونصائح، تجلت في فتح الأسواق السورية أمام البضائع الأجنبية، وتحرير الأسواق وعدم إخضاعها للرقابة، وتقليص دور قطاع الدولة (الصناعي_ الزراعي)، وإعادة هيكلة اليد العاملة وأجورها الحقيقية، وكذلك انسحاب الدولة من دورها الاقتصادي والاجتماعي في التحكم بنسب الفقر والبطالة، والاستعاضة عن آليات الدعم التي من المفترض أن تتحملها الدولة تجاه الفقراء، بالهبات والمساعدات من خلال منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، وفي الوقت نفسه تقدم التسهيلات الواسعة للقطاع الخاص وللاستثمارات الأجنبية والعربية، التي تركز معظمها على الاستثمار في القطاع العقاري_ السياحي (الريعي)، لتجني من جراء ذلك المليارات من الدولارات، التي سيعاد تهريبها إلى الخارج من خلال القانون الذي يسمح لها بتحريك أموالها وأرباحها بحرية ودون سؤال.
إن الحركة النقابية، إذا ما أجرت التقييم المطلوب منها، ستكتشف عدم صحة الموقف الذي عبرت عنه مؤخراً من خلال صحيفتها «الاشتراكي» «ممثلو العمال والحكومة تحت سقف واحد» في الوقت الذي كانت الضرورة توجب أن يكون الموقف واضحاً وحازماً وجريئاً في تحديد المسافة بين ممثلي العمال وأرباب العمل(الحكومة) لمقاومة تلك السياسات الليبرالية.. فبهذا التقييم ستكتشف الحركة النقابية أيضاً: أن السياسات الليبرالية وما استقدمته من استثمارات كانت بمعظمها مسيسةً وتخدم هدفاً محدداً ظهرت آثاره الكارثية من خلال ما هو جار الآن على الأرض من أحداث، وما تلتها من قرارات وعقوبات اقتصادية، كانت أضرارها كارثية على فقراء الشعب السوري وعلى الاقتصاد الوطني بمجمله.
إن التساؤلات التي يمكن طرحها في سياق ما قدمنا، والإجابة عنها يكون في الحوار حولها، هي:
لماذا لم تأخذ الحركة النقابية موقفاً معارضاً للسياسات الاقتصادية الليبرالية بالرغم من تذمرها واستيائها من نتائجها على الاقتصاد الوطني وعلى حقوق ومصالح الطبقة العاملة؟
لماذا كانت الحركة النقابية تصر دائماً على تمسكها بخيارها التشاركي وتعتبر نفسها مسؤولة مثل الحكومة عن القرارات والتوجهات الجاري تبنيها من قبلها؟
لماذا لم تستطع الحركة النقابية حل الكثير من الإشكالات التي يتكرر حصولها، وعلى رأسها تسريح الكثير من العمال في قطاع الدولة والخاص وعدم تثبيت العمال المؤقتين، والمماطلة المستمرة في تعديل قوانين العمل ، وعدم زيادة الأجور؟
لماذا لم تستطع الحركة النقابية جذب عمال القطاع الخاص إلى التنظيم النقابي، ورهن ذلك بالحوار مع أرباب العمل الرافضين بمعظمهم للموضوع شكلاً ومضموناً؟
إن الإجابة عن تلك التساؤلات ستضع الحركة النقابية في مواجهة سؤال آخر، وهو: ماذا سيكون أداء وبرنامج وخطاب الحركة النقابية القادم على ضوء ما هو جارٍ من تطورات سياسية واجتماعية؟ وهل ستدار الانتخابات النقابية القادمة بالطريقة والأدوات والعقلية نفسها، التي أنتجت على مدار عقود هوة واسعة بين الحركة النقابية والعمالية؟
إن دور الحركة النقابية في ظل هذه الظروف المعقدة لابد أن يكون أكثر فاعلية وحضوراً في التأثير بما هو جارٍ لجهة الدفاع عن الوطن والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب السوري، السياسية والاقتصادية، بما فيها حقوق الطبقة العاملة، وهذا يكون بمواجهة قوى السوق والفساد الكبيرين، والدفاع عن قطاع الدولة وتطويره وتخليصه من ناهبيه، لأنه الضمانة الحقيقية في تأمين احتياجات فقراء الشعب السوري، وفي مواجهة العقوبات الاقتصادية التي يتأثرون بها والضاغطة على مستوى معيشتهم.
إن قيام الحركة النقابية بهذا يتطلب منها:
_ النضال من أجل تثبيت استقلالية الحركة النقابية المثبته دستورياً وتأكيد حق الطبقة العاملة بالإضراب والتظاهر السلمي دفاعاً عن حقوقها وقراراتها والمثبتين دستورياً أيضاً.
_ إعادة النظر بقانون التنظيم النقابي بما يحقق التأكيد على استقلالية الحركة النقابية.
_ التأكيد على ممارسة الحريات النقابية والديمقراطية التي أقرتها الاتفاقيات الدولية والعربية، وعلى رأسها: حرية الطبقة العاملة بممارسة حق الإضراب، وفي انتخاب ممثليها، وحرية عزلهم إذا لم يثبتوا جدارتهم في الدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة.
إن فتح حوارٍ واسعٍ وشاملٍ ترعاه الحركة النقابية، وتشارك فيه القوى الوطنية كلها حول دور الحركة النقابية السياسي والاقتصادي والاجتماعي القادم، سيكون نقلة نوعية في إعادة الاعتبار للعمل النقابي الديمقراطي الحقيقي، الذي سيعتبر القلعة المقاتلة دفاعاً عن الوطن، وفي مواجهة الفساد الكبير وقواه في الدولة والمجتمع، وسيعزز كذلك وحدة الحركة النقابية والعمالية على أساس المصالح الوطنية المشتركة.