عن ربط الأجور بالإنتاج
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

عن ربط الأجور بالإنتاج

تتحدث الحكومة دائماً خلال اجتماعاتها مع النقابات: أن زيادة الأجور والرواتب موضوعة ضمن الخطط الحكومية، ولكنها تربط زيادة الأجور بزيادة الإنتاج، وهي تعمل حسب زعمها على دعم مستلزمات عملية الإنتاج لزيادة الأجور، وتسعى في الوقت نفسه لخفض الأسعار، بما ينعكس بشكل إيجابي على المواطن.

ربط الأجور بالإنتاج
كلام الحكومة عن ربطها زيادة الأجور بزيادة الإنتاج، يعتبر عملاً غير دستوري، فربط الأجور بالإنتاج فيه مخالفة واضحة للدستور، الذي نص في المادة الثالثة عشرة منه على (أن السياسة الاقتصادية للدولة تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي وعدالة اجتماعية) ومن متطلبات العدالة الاجتماعية أن يؤمن الحد الأدنى للأجر متطلبات المعيشة للمواطن بغض النظر عن الإنتاج. وهذا ما نصت عليه المادة الأربعون أيضاً، التي أكدت على حق العامل في أجرٍ عادلٍ، وعلى ألّا يقل هذا الأجر عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات المعيشة وتغيرها، فإذا كان الحد الأدنى للمعيشة للأسرة المكونة من خمسة أفراد 300 ألف ليرة، فهل الحد الأدنى للأجور اليوم يؤمن حياة كريمة للعامل، ويتوافق والدستور؟؟

الأجور والاستهلاك
لنفترض صدق كلام الحكومة اليوم عن ضرورة ربط الأجور بالإنتاج، فعملية الإنتاج باتت معطلة بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمواطن وانخفاض الأجور، فزيادة الإنتاج باتت تحتاج إلى زيادة الرواتب والأجور لكي تزيد نسب الاستهلاك في الداخل، الذي وصل إلى أدنى مستوياته، ولم يعد هناك ما يبرر التسويف أو التأخير في قضية الأجور، فاليوم العديد من المشاريع والمصانع وبشتى المجالات خفضت من إنتاجها، نتيجة عدم وجود أسواقٍ لتصريف منتوجاتها، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، وهناك العديد من الصناعيين بات يحجم عن العودة إلى مصنعه لوجود جمود في حركة السوق، نتيجة لانخفاض الأجور والرواتب، وبالتالي بات دعم العملية الإنتاجية يتطلب زيادة حقيقية في الأجور والرواتب كي تستمر حركة السوق ولا تتكدس البضائع، وتسبب في خسائر قد تقود في النهاية إلى إغلاق المصانع والمعامل.
ولطالما أعلنت الحكومة: أن زيادة الأجور مرتبطة بعودة حقول الغاز والنفط إلى سيطرة الدولة، بما يؤمن فائضاً لها، يسمح من خلاله بزيادة الأجور، ولكن وبالرغم من عودة العديد من هذه الحقول إلى سيطرة الدولة والبدء بتشغيل هذه الحقول، وآخرها كان في منطقة قارة والبريج بطاقة إنتاجية مليون متر مكعب يومياً، فلم تحصل أية زيادة على الأجور.

الأموال الحكومية المجمدة
 مع معالجة الحكومة لملف القروض المتعثرة، وتحصيل أغلبها، وتوفر سيولة مالية لدى المصارف الحكومية، إلّا أن الحكومة لا تعمل على استثمار هذه الأموال بالشكل الصحيح لزيادة وارداتها، أو لدعم العملية الإنتاجية، بل يتم عكس من ذلك، إغلاق مصانع القطاع العام تحت حجة أنها خاسرة دون أن يتم دعم أي من هذه المصانع والمعامل، أو تأمين مستلزمات عودتها للإنتاج، وبذلك تكون الحكومة هي من تعطل عملية الإنتاج وتعتمد على سين التسويف، والوعود بشأن قضية الأجور، واستخدام تصريحات نارية كالتي سمعناها في عيد العمال، معتبرة أن هذه الطريقة المتعارف عليها منذ سنين في بلادنا مازالت تعطي مفعولها اليوم.

الحكومة لا تدعم الإنتاج
قضية الأجور والرواتب باتت تتفاعل كثيراً داخل المجتمع السوري، بسبب الحالة المزرية لغالبية السوريين، وبسبب تعنت الحكومة ووقوفها إلى جانب قوى رأس المال فهؤلاء ومن ورائهم قوى الفساد، يمانعون أية زيادة على كتلة الأجور والرواتب، لأنهم لا يريدون التنازل عن أي جزء من أرباحهم التي تزداد يوماً بعد يوم، وهو ما يزيد الاحتقان في الشارع السوري نتيجة لانتشار الفقر، وتعطل العملية الإنتاجية، وتوقف العديد من المصانع، وعلى ما يبدو أن الحكومة لا تعمل على دعم العملية الإنتاجية كما تدّعي، بل تعمل على ضرب الصناعة الوطنية لصالح تجارة الاستيراد، وجل ما يهم الحكومة هو دعم التجار وتشجيع السياحة، وهو ما يحول البلاد إلى مجتمع استهلاكي غير منتج، فربطها لزيادة الأجور بزيادة الإنتاج القصد منه: ضرب الاثنين معاً.