عن الحكومة وإصلاحاتها
شهدت الأيام الماضية لقاءً موسعاً جمع ما بين الحكومة ومديري المؤسسات الاقتصادية، وجرى تداول الخبر بوصفه مواجهة صريحة بين الطرفين، تأتي ضمن سياق «وضع أسس لإصلاح المؤسسات الاقتصادية».
لكن نظرة خاطفة على مضمون ما ورد في الاجتماع، تكفي لنعرف أنه لم يأت بجديد، ولم يكن سوى تكريسٍ لسياسات الحكومة العلنية المرتبطة بتوطيد دعائم السياسات الليبرالية في الاقتصاد السوري، وتسويق المصطلحات التي تختبئ خلفها كـ: التشاركية والإصلاح الإداري ومحاربة الترهل، ويمكن إيجاز أبرز ما جاء في اللقاء ضمن نقاط عدة هي:
إعادة الهيكلة
استهل رئيس الحكومة حديثه بالإشارة إلى أن القطاع الاقتصادي دون المستوى المأمول، وأن الحل يكمن في إعادة هيكلية المؤسسات كخطوة أولى لتحقيق الإصلاح، لكن الإصلاح الاقتصادي الذي تُحدثنا عنه الحكومة ليس في حقيقة الأمر سوى عباءة واسعة تخفي ما بين طياتها جميع السياسات الهادفة إلى خصخصة قطاع الدولة، عبر طرح الشركات العامة الخاسرة منها، والحدّية للتشاركية، أي: بيعها بأزهد الأثمان للقطاع الخاص، تلك الشركات التي نعلم جميعاً أنها ما كانت لتغدو خاسرة لولا جملة من السياسات الاقتصادية المخسرة والمتعمّدة، التي مورست على امتداد عقود لتشويه القطاع العام وتصويره على أنه مثقل بالفساد، ولا نفع يرتجى منه، إلا في حال تسليم مقاليد الأمور للقطاع الخاص، وتحميله مسؤولية ما لقيه من دمار ونهب بفعل سنوات الحرب.
الترهل الإداري
ضمن السياق نفسه يأتي مصطلح الترهل الإداري مرافقاً لإعادة الهيكلة، حيث تعيد الحكومة مراراً على لسان رئيسها: أن مؤسساتنا الاقتصادية بحاجة إلى مديرين حقيقيين يعملون لتحقيق النجاح، ويفكرون بالغد، وأن من الضروري إقصاء أي مدير غير ناجح، ما قد يدفع أياً منا إلى التساؤل: «حكومتنا الموقرة ألست أنت من يختار ويعين المدراء في قطاع الدولة، وفق مؤهلات أبرزها: مستوى المحسوبية وحجم الوساطة؟ فبأي منطق إذن يحمل هذا القطاع وزر إداراته الفاشلة التي اخترتِها له».
والأرباح الزائفة
والحقيقة، أن ثمة تساؤلاً مشابهاً نطرحه على الحكومة حين تحدثنا عن قيام بعض الشركات العامة بتقديم أرقام لا صحة لها عن الأرباح التي يفترض أن تحققها خلال كل سنة، فهل تكمن المشكلة الحقيقية في الأرقام الزائفة فقط، أم في قبولها واعتمادها حكومياً دون تدقيق أو محاسبة جدية من خلال الجهات الوصائية التي وجدت لهذا الغرض؟
أما عن زيادة الأجور
خميس، أكد في حديثه: أن موضوع زيادة الرواتب والأجور هو محط اهتمام، وأن عدم زيادة الرواتب «ليس تجاهلاً للموضوع بل على العكس تماماً، فالحكومة تعمل حالياً على سياسة تخفيض الأسعار، وأن هذه الزيادة مرتبطة بالحوافز الإنتاجية»، وهي ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها الحكومة عن زيادة الأجور، إلا أنها وكـالعادة تجد في كل مرة شماعة جديدة تلقي عليها فشلها في هذا السياق، فبعد حديثها سابقاً: عن أن زيادة الأجور أمر متعلق بالإنتاج وتخفيض الأسعار حيناً، وتحقيق التنمية الشاملة في حين آخر، تعود وتؤكد الآن: أن الزيادة مرتبطة بالحوافز الإنتاجية، فأية هذه التصريحات نصدق؟
أية حوافز إنتاجية؟
أما الحوافز الإنتاجية القائمة على ربط الأجر بالإنتاج، والتي تعتبرها الحكومة الطريقة المثلى لزيادة الأجور، فهي مطلب عمالي قديم متجدد لا يخلو منه أي ملتقى عمالي، وغالباً ما يصطدم برفض وزارة المالية في منشآت قطاع الدولة، ومن جهة أخرى فكثيراً ما تتسم هذه الحوافز في حال توزيعها بانخفاض قيمتها وعدم جدواها الاقتصادية، وبالتالي تفقد دورها كحافز حقيقي للإنتاج، وبين هذا وذاك فمن الجلي أن منح الحوافز ورفع قيمتها أمران يقعان في يد الحكومة أيضاً، وأنه إذا كان ينبغي اتخاذ إجراءات فعلية في هذا الصدد فالأمر منوط بها وحدها.
التغني بالقطاع الإنشائي
وصفت الحكومة القطاع العام الإنشائي، بأنه مثال يجدر أن يقتدى به من قبل المؤسسات الاقتصادية الخاصة، لافتة إلى أنه أنجز مشاريع تقدر بـ 200 مليار ليرة، والواقع أن قطاع الدولة الإنشائي قديم وعريق وله الفضل في بناء معظم المنشآت الحكومية، لكن ثناء الحكومة على هذا القطاع واعترافها بمكانته لا ينفي مسؤوليتها عما لحق به من تراجع، جراء إعطاء الأفضلية في جبهات العمل للقطاع الخاص، وعدم رفده بالعمالة الشابة والأجهزة والآليات الحديثة التي تتطلبها مرحلة إعادة الإعمار، إلى جانب عدم رفع الأجور للحد من تسرب العمالة الخبيرة باتجاه القطاع الخاص، وغياب المرونة في الإجراءات المرتبطة بتفعيل دور هذا القطاع الهام.
أجور بدون عمل
لم تنس الحكومة أن تذكرنا كـ عادتها دائماً «بأفضالها» على العمال الذين توقفت منشآتهم عن العمل، واستمرارها بمنح أجورهم، رغم غياب أي إنتاج فعلي، وكأن اللائمة تقع على العمال بسبب خسارة منشآتهم أو توقفها جزئياً أو كلياً، لا على الأزمة التي أجبرتهم مكرهين على ترك أعمالهم ومنازلهم وحياتهم التي ألفوها، ولا على الحكومة التي تقاعست حتى الآن عن إيجاد جبهات عمل جديدة في المناطق الآمنة، مع اتساع رقعتها، وبالتالي إعادة الاستقرار إلى حياة آلاف ممن فقدوا عملهم وممتلكاتهم.
وفوق كل ذلك تؤكد الحكومة: أن هناك معامل بحاجة إلى الإغلاق باعتبارها «غير مجدية»، فمن هو الطرف الذي يحق له أن يقيّم بحياد هذه المنشأة أو تلك، وعلى أي أساس سيتم تقييم شركة خرجت لتوها من الحرب وما تزال ترزح تحت وطأة العجز الاقتصادي والتعجيز الحكومي؟ والأهم من ذلك كله: أي مصير ينتظر عمال هذه المنشآت وأسرهم؟