وفق القوانين النافذة!
عن طريق التظاهرات والإضرابات والاعتصامات، تمارس الطبقة العاملة عادةً نضالها من خلال هذه الأساليب السلمية، ومن أجل تحسين مستوى معيشتها ولتنتزع من أرباب العمل حصتها من ميزان توزيع الثروة، وتفرض نمط توزيع عادل للثروة يؤمن حياة كريمة للعمال.
حرية التعبير والتظاهر
الدستور السوري الجديد الذي صدر عام 2012 نص على حرية التعبير والتظاهر السلمي في المادة 39 منه، ونص أيضاً على حق الإضراب السلمي في المادة 44 للطبقة العاملة، لكنه لم يكفل أو يضمن تطبيق هذه الحقوق مع الأسف، وبالعودة إلى نص الدستور، نرى أن تلك النصوص تنص في نهايتها على عبارة «وفق القوانين النافذة» وهي بذلك أحالت تنظيم ممارسة هذه الأساليب الديمقراطية للتعبير عن الرأي إلى القوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية، مما يؤدي إلى ضياع هذه الحقوق الدستورية والالتفاف عليها.
فقانون التظاهر السلمي الذي صدر، يضيق من هذا الحق الدستوري ويسلبه جوهره والهدف منه، ويمكن تسميته بقانون منع التظاهر عملياً، أما عن الإضراب فلم يتم تعديل قوانين العمل بما يتفق مع الدستور الجديد، بل ظلت قوانين العمل تغفل حق الإضراب للطبقة العاملة، ولم تنص عليه صراحة، وهو ما يحيلنا إلى القوانين العامة كقانون العقوبات وقانون العقوبات الاقتصادي اللذين يجرمان الإضراب، وهو ما يعني: أن القوانين التي أحال الدستور إليها مهمة تنفيذ نصوصه، تقف عائقاً بوجه تطبيق نصوص الدستور، مما يعني سلب المنهوبين حرية التعبير والمطالبة بحقوقهم والاستمرار بتغييب صوت العمال، ومحاصرة حقوقهم الدستورية.
قانون التظاهر السلمي
قانون التظاهر السلمي الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 54 ومن خلال إلقاء نظرة على مواده، نرى أنه يفرض قيوداً إجرائية كثيرة، ومنها: الحصول على تعهد موثق من كاتب العدل من طرف منظمي المظاهرة، وهذا غير مطلوب في أي قانون للتظاهر في العالم.
ويجب أيضاً، أن ينص هذا التعهد على أن هؤلاء المنظمين يتحملون المسؤولية عن الأضرار كافة التي قد يلحقها المتظاهرون بالأموال والممتلكات العامة أو الخاصة، وهذا يتعارض مع هدف التصريح الذي يهدف في النهاية إلى إبلاغ السلطات المختصة لكي تقوم قوات الشرطة بتأمين وحماية الممتلكات العامة والخاصة وحماية المتظاهرين من أي حدث أمني مفاجئ، لا أن نحمل المنظمين مسؤولية حماية الممتلكات العامة.
يفرض المرسوم مدة طويلة للحصول على الترخيص للمظاهرة، فهي على الأقل خمسة أيام قبل المظاهرة، وتليها مدة أسبوع للرد من قبل وزارة الداخلية مما يعني امتداد الحصول على الترخيص لأكثر من عشرة أيام يمكن أن ينقضي خلالها موعد المظاهرة، على خلاف مما هو معمول به في أغلب قوانين التظاهر، حيث يمكن أن يعطى التصريح قبل المظاهرة ب 24 ساعة فقط.
تصريحاً وليس ترخيصاً
حتى أن كلمة تقديم طلب للحصول على ترخيص غير دستورية أيضاً، فهل يحتاج المواطن عادة للترخيص لممارسة حقوقه الدستورية ؟! فكما هو معروف قانونياً: يسمى ذلك بتصريح من قبل المتظاهرين للجهات المختصة بنيتهم التظاهر لمجرد إعلام السلطات لتتخذ التدابير اللازمة، دون انتظار موافقة أو ترخيص.
كما أن القانون حصر إعطاء تراخيص التظاهر بوزارة الداخلية فقط، وهذا مما يعقد الأمور أكثر، فلماذا لا تعطى قوات الأمن ودوائر الشرطة التابعة للوزارة في كل مدينة أو منطقة صلاحية إصدار التراخيص.
تحديد طرق فض المظاهرة
كما لم ينص القانون على الوسائل المسموح بها لقوات الأمن لفض المظاهرة، فأغلب قوانين التظاهر تلزم قوات الأمن باستخدام الأساليب السلمية والتحذيرية قبل البدء بفض التظاهرة، إلا في حالات الدفاع الشرعي مع الحفاظ على مبدأ التناسبية الذي تستلزمه حالة الدفاع الشرعي، إضافة إلى منع استخدام الأسلحة النارية أثناء فض المظاهرة، والاكتفاء بوسائل معقولة مثل: الرصاص المطاطي وخراطيم المياه.
عقوبات تحرم التظاهر
ينص قانون التظاهر السلمي على أن مخالفة أحكامه تستوجب تطبيق المواد 335 / 336 / 337 /338/ 339 من قانون العقوبات السوري، وهذه المواد لا تمت للتظاهر بصلة، بل هي عبارة عن مواد لمكافحة التظاهر كالمادة 336 التي تجرم تجمع حشدٍ، أو موكباً على الطرق العامة، أو في مكان مباح للجمهور، بل كان يجب إلغاء هذه المواد لتعارضها مع الدستور الجديد.
الإضراب
أما عن الإضراب، فلم يتم تعديل قوانين العمل كما ذكرنا لتتوافق مع الدستور الجديد، على الرغم من عدم دستورية هذه القوانين، لتعارضها بشكل واضح وصريح مع نصوص الدستور، إلا أن الجهات المختصة، ومن ضمنها الوزارات التي تعنى بشؤون العمال كوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والمحاكم العمالية تجرم الإضراب وتعتبره جنحة يعاقب عليها القانون، وفق ما ينص عليه قانون العقوبات الاقتصادية دون أن تتطرق إلى الدستور، أو على الأقل أن تمتنع عن الحكم بمواد تخالف الدستور.
ومع كل ما سببته السياسات الاقتصادية الليبرالية للحكومات السورية المتعاقبة والتي أوصلت الطبقة العاملة إلى حافة الجوع، وهدرت حقوق العمال، ونهبت أجورهم وتعبهم وخسرت مؤسساتهم الخاصة، وأوصلتها إلى حافة الإفلاس كـ «التأمينات الاجتماعية» ورغم الأجور الزهيدة التي لا تكفي سوى لـ 5 أيام من الشهر فقط، كل هذا التعدي وتمنع على الطبقة العاملة التعبير عن آلامها، ويمنع العمال من إيصال صوتهم، في مقابل مراعاة لقوى المال والفساد المسيطرة على جهاز الدولة والمجتمع، والتي تمارس سياساتها القمعية وتمنع المنهوبين من المطالبة بحقوقهم، وتغلق في وجههم كل الطرق الدستورية والقانونية للتعبير عن آلامهم، بينما تصدر قوانين غير دستورية تخدم مصالح قوى النهب، تحت مسميات: قوانين التشاركية والاستثمار وإعادة الإعمار، لتشرعن فسادها وتقونن نهبها لفئات الشعب جميعها.