قضايا كبرى على جدول المؤتمرات
باتت المؤتمرات السنوية النقابية على الأبواب، ويبقى السؤال الذي طالما تساءل العمال عنه: هل ستكون مؤتمرات العام الجديد مختلفة عن عشرات المؤتمرات السابقة من حيث البرامج والخطاب والنتائج اللاحقة؟ وهل ستخرج بما يليق بقيمة عرقهم وصبرهم، أم أن مسلسل خيبات الأمل سيستمر إلى قيام الساعة، أو ما يعادلها؟
لا يمكن لأي أحد إنكار أهمية الأطروحات العمالية والنقابية خلال الأعوام الماضية، التي وضعت يدها على الجرح، وصوبت الرؤى نحو القضايا الكبرى، دون التغاضي عن المطالب الأخرى، ولا يمكن كذلك إغفال التطور الموضوعي والنوعي في الوعي الجمعي للطبقة العاملة وممثليها الحقيقيين كيف لا؟ وهم الذين يدفعون الأثمان الباهظة (كل يوم بيومه) جراء السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي كانت وما زالت منهج الحكومات المتعاقبة، فأودت بعمال قطاع الدولة إلى الفقر المدقع، وسلبتهم مستحقات الدعم الحكومي كلها، وشرّعت في الوقت عينه لقوى المال وحيتان السوق التحكم برقاب عمال القطاع الخاص، والاستيلاء على قوة عملهم مقابل (فرنكات) أجور لا تكفي لأدنى ضرورات المعيشة الإنسانية، ومن هنا لا بد من التوجه المباشر للقضايا الكبرى المستحقة، والتي تحاول الحكومة الحالية، وأرباب العمل الهروب منها بمشاغلة الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي، بلباس عمالي وزجاجة حليب لم تنجح جملة المؤتمرات من القاعدة لأعلى الهرم في انتزعها، من خُرج الحكومة المتحججة بالأزمة تارة، وبنقص الموارد تارة أخرى، وكأن العمال هم أولئك الساذجون الذين لا يرون ملايين الدولارات في بطون الفاسدين، والمحتكرين، ومن لف لفهم.
الأجور وحق الإضراب
تتصدر جملة من القضايا الكبرى جدول أعمال الطبقة العاملة والمدافعين عنها، وأهمها: زيادة حقيقية على الأجور، وتبني حق الإضراب، وإعادة الدعم الحكومي للمعيشة والقطاع الإنتاجي الزراعي منه والصناعي، والوقوف في وجه قانون التشاركية وإسقاطه قولاً وفعلاً، كون القضايا السابقة تشكل مجتمعة: المدخل الموضوعي للقضايا والمطالب اللاحقة كلها، فرفع الحد الأدنى من الأجور الذي لا يتجاوز 17 ألف ليرة لا يمكن بعد اليوم السكوت عنه، وهو العاجز عن تغطية تكلفة آجار غرفة ومنافعها في عشوائيات المدن أو ضواحيها (هَيْ لا أكلنا ولا شربنا) وذلك غير ممكن دون تغيير المعادلة الاقتصادية الأساسية، أي: الأرباح والأجور، فلا بد من أخذ نسبة كبيرة من الأرباح للأجور، بالتوازي مع ضرب الفساد الكبير، والاحتكارات الكبرى والسيطرة على أموال التهرب الضريبي والجمركي، والاستثمارات الكبرى كقطاع الخليوي، ومن هنا تأتي أهمية تبني حق الإضراب من قبل التنظيم النقابي، وهو المشرّع دستورياً، فهذا التبني أصبح ضرورة ملزمة، لأنها الأداة الأكثر فاعلية، وبمجرد تبنيها بالمعنى القانوني والتنظيمي ستشكل أداة ضغطٍ على أرباب العمل، حكومة كانت أو قطاع خاصاً، فكيف إن دخلت حيز التنفيذ؟
مواجهة النهج
الليبرالي الاقتصادي للحكومات
استطاعت الحكومات التخلص من الدعم بسلسلة قرارات متتالية، تحت يافطة عقلنة الدعم، سالبة بذلك أحد أهم عوامل استمرار الإنتاج الزراعي والصناعي من جهة، وتكاليف المعيشة من جهة أخرى، لذلك يجب المطالبة الجدية، وبالأدوات القانونية والدستورية كافة استعادة هذا الحق المسلوب لما له من انعكاسات كبرى، يجعل للدولة الدور الأكبر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وهو الأمر الذي نرى بأن الحكومة تمضي بالاتجاه المقابل له، عبر إسراعها بالمضي بقانون التشاركية، ومقاطعتها لفكرة الإنقاذ الفوري لمجمل قطاع الدولة، من شركات ومعامل ومنشآت، وتخليها عن أهم الموارد (المحرزة) لصالح القطاع الخاص، الخليوي مثلاً وتعتبر العناوين المستخدمة حالياً من قبل الحكومة، مؤشرات واضحة لخططها المستقبلية كفكرة الدمج وفائض العمالة، وإيقاف تأمين الأجور للعاملين في الشركات المخسرة، ومن باب التذكير سأعيد تلك الجملة، التي قالها أحد العمال في مؤتمر الصناعات الكيماوية السنة الماضية (منزرع أرض المعمل بطاطا ولا منطلع منو).
ممنوع الوقوف
لا يبالغ من يعتبر مؤتمرات النقابات هي الأهم، كونها تضم أولئك العمال النقابيين الذين على رأس عملهم، وباحتكاك مباشر مع العمل والعمال، وبالتالي، هم الأقدر على توصيف الواقع الملموس وإبراز الجوانب الأهم، سواء عن العملية الإنتاجية والإدارية، أو المطالب العمالية وإيجاد الحلول المناسبة لها، وهي بذلك الأساس لتكثيف وتشخيص الواقع وتكثيف مجمل المطالب وإيصال صوت العمال لمؤتمرهم، ويجب التنبه لعدم وقوف تلك المطالب والأصوات عند هذا الحد، بل تضمينها في المؤتمرات العليا اللاحقة كافةً سواء اتحادات المحافظة أو الاتحادات المهنية والمجلس العام، وإلا فإن عمل هذه المؤتمرات سيتحول لمجرد منبر تنفيسي وبيروقراطي يفقد دوره ووظيفته، ويفقده شرعيته عند العمال، وهو في الوقت نفسه فرصة جدية للقيادات النقابية لتلمس الحقائق التي غفلت عن بعضها لوقت ليس بقصير، وكان من المفيد أن تقوم اتحادات المحافظات بإقامة عدة ورشات عمل مفتوحة، خاصة في المؤتمرات وبمشاركة النقابات والقوى العمالية والنقابية لتبادل وجهات النظر، وممارسة الحوار الفاعل، للخروج بكل ما يفيد الطبقة العاملة والتنظيم النقابي والمؤتمرات.
مؤتمرات المرحلة القادمة
ستقوم قاسيون كما جرت العادة بمتابعة أعمال المؤتمرات والتحضيرات لها عبر صفحاتها وسنحاول في العدد القادم، أن نلخص بشكل موضوعي مجمل المطالب والقضايا التي سيحملها العمال لمؤتمراتهم، سواء كانت اقتصادية معيشية، أو قانونية، وتنظيمية، لما لذلك الأمر من أهمية وخاصة في هذه المرحلة المفصلية، التي يمر فيها الشعب السوري بشكل عام والطبقة العاملة والمنهوبون كافةً بشكل خاص وعليها ستحدد مستقبله، كون الحرب على الإرهاب الدخيل في مراحلها الأخيرة، والعملية السياسية بين السوريين قاب قوسين أو أدنى، من البدء تلك العملية التي انتظرها السوريون طويلاً كي ينهوا كارثتهم الوطنية الشاملة، ويمتلكوا حقهم بتقرير مصيرهم وإنجاز التغيير الذي ينشدونه.