هكذا نواجه جور الأجور!
بعد انتهاء دوامه كمدرس يضع أقلامه وكتبه جانباً ويغدو »معلماً» من نوع آخر، إذ يعمل كسائق سرفيس على أحد الخطوط في العاصمة، أو يعمل بائعاً متجولاً وغيرها من الأعمال، هو ليس ظاهرة استثنائية، بل يكاد يكون حالة عامة في المجتمع السوري، كان الرجال يقومون بها، أما الآن، فإن ظاهرة العمل المتكرر باتت من نصيب النساء أيضاً، حيث تجد الكثيرات منهن يعملن بأكثر من عمل على مدار الساعة، بسبب ظروفهن المعيشية وفقدانهن للمعيل ولأسباب متعددة، فمزاولة مهنتين أو أكثر في اليوم باتت سمة شائعة مع تردي الوضع المعيشي وعجز الدخل عن تلبية مقومات الحياة الأساسية، من أجرة منزل أو تأمين علاج لمريض أو توفير ما يلزم الأطفال من غذاء وكساء وتعليم.
لا معلومات دقيقة
شغل قطاع العمل غير المنظم ما يقارب 65.6 % من سوق العمل السورية قبيل الأزمة طبقاً لإحصاءات المكتب المركزي للإحصاء، في حين ارتفعت نسبته خلال الأزمة دون وجود إمكانية للحصول على أرقام دقيقة في هذا الصدد، ويتنوع ما بين ورشات ومشاغل ومحال تجارية وأعمال زراعية ..إلخ، ويشكل مصدر دخل أوحد بالنسبة للكثيرين، في حين أنه دخل إضافي لآخرين، ورغم اتساع المساحة التي يشغلها، إلا أنه لا يوجد إحصاء رسمي عن عدد العاملين في هذا القطاع، والأسر المستفيدة منه وظروفه غير المنضبطة، بفعل غياب الحكومة والنقابات، وهو ما يترك الآلاف ممن يعملون في مهن غير منظمة دون أي شكل من أشكال الحماية، أو التأمين الاجتماعي، وهم في حالة ترحال مستمر بين المهن والأعمال، التي قد تؤمن للعامل دخلاً أفضل من عمله السابق.
ما بعد الوظيفة!
في الحلبوني وسط دمشق، يستوقفك مشهد البسطات المتنوعة التي تشكل غالباً مصدر دخلٍ ثانٍ متواضعٍ، يضاف إلى الدخل الأساس والهزيل لأصحابها، فهنا يمكن أن تجد مدرس التربية الرياضية بعد الظهر يبيع السماعات والشواحن وسائر مستلزمات الهاتف المحمول، على طاولة صغيرة تعين راتبه الحكومي على الوفاء بالتزاماته تجاه الأسرة، وغير بعيد عنه يقف كهل إلى جانب ميزانه القديم عارضاً على المارة قياس وزنهم لقاء خمس وعشرين ليرة لا أكثر، والواقع أنه ليس سوى موظف متقاعد اضطره دخله المتواضع إلى مزاولة هذه المهنة البسيطة، في سن يفترض أنه بات بعد أن بلغها في أمس الحاجة إلى قسط من الراحة، إثر عقود من العمل الحكومي.. الأمثلة المشابهة أكثر من أن تحصى هنا، والثابت أنها تحولت إلى حالة عامة بفعل سياسات اقتصادية مغرقة في الفساد عملت على إثراء الثري وإفقار الفقير.
ملامح عامة
تتمثل أبرز ملامح العمل غير المنظم أثناء الأزمة، بظهور عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية الجديدة، التي فرضتها ظروف الأزمة، مثل: بعض الصناعات الغذائية، وصناعة الملابس في ورشات صغيرة، والباعة المتجولون والبسطات، كما تنامت نشاطات وثيقة الصلة باقتصاديات العنف، مثل: بيع المسروقات، وتكرير النفط بشكل غير نظامي، والتهريب، لتبلغ نسبة المنخرطين في الأعمال غير القانونية نتيجة الأزمة نحو %17 من السكان الناشطين اقتصادياً، طبقاً لورقة بحثية نشرتها جمعية العلوم الاقتصادية السورية منذ عام تقريباً.
بالأرقام
يقدر البحث آنف الذكر، الخسائر الاقتصادية منذ بداية النزاع حتى نهاية العام 2015 بنحو 255 مليار دولار، ليبلغ معدل الفقر العام نتيجة ذلك ما يقارب 85,2%، حيث بات نحو %35 من السكان يعيشون في فقر مدقع، بسبب النزوح وفقدان الممتلكات، وارتفاع تكاليف المعيشة بالتزامن مع محدودية فرص العمل، ذلك كله قاد إلى إرغام العمال على القبول بظروف عمل صعبة وأجور متدنية.