عمال النظافة تحت رحمة الشركات الخاصة!
غزل الماغوط غزل الماغوط

عمال النظافة تحت رحمة الشركات الخاصة!

شركات عدة بأسماء براقة معظمها باللغة الإنجليزية، وجدت طريقها إلى قطاع الخدمات السوري، فمنذ فترة ما قبل الأزمة بدأ الظهور الأول لشركات التنظيف التي تتبع لمتعهدين من القطاع الخاص وتقدم خدماتها في المرافق المختلفة، وإن كان نشاطها في بادئ الأمر مقتصراً على الجهات الخاصة، فإنها اليوم آخذة في الانتشار، إذ باتت بالنسبة للحكومة طريقاً ممهداً للخصخصة ودعم أصحاب رؤوس الأموال على حساب المفقرين، إلى جانب أنها تلقي عن كاهل الحكومة مسؤولية توظيف عمال دائمين لهم حقوقهم في التعويضات والتأمينات والراتب التقاعدي، ليتم اختيار التعاقد مع شركات النظافة الخاصة كبديل مجز وأقل تكلفة رغم ما يحمله هذا القرار من تبعات، إذ يترك عشرات الأسر تحت رحمة متعهد قد يتخلى عن عماله في أية لحظة ودون أن يقدم لهم أي تعويض مستفيداً من القانون رقم 17 سيء الصيت والمعروف بتواطئه العلني مع أرباب العمل.

اليوم، تعمل شركات التنظيف الخاصة في الكثير من المنشآت كالمشافي، مثل: مشفى المجتهد ومشفى المواساة، والسكن الطلابي، كما في المدينة الجامعية بدمشق، والشركات والحدائق وحتى الطرقات، في ما يبدو أنه إزاحة متأنية للقطاع الحكومي من أماكن تواجده، وإحلال القطاع الخاص كبديل له، وهو ما يلاحظ في مناحي الخدمات المختلفة وليس في جانب النظافة فقط، إذ يذكرنا بالشركات الخاصة للنقل الداخلي، وشركات تقديم الخدمة الطبية «المتعارف عليها باعتبارها شركات تأمين»، وصولاً إلى ما آلت إليه المؤسسة العامة للاتصالات بعد إلحاقها بالقطاع الخاص أيضاً.. ويبدو أن القائمة ستطول؟

مشفى المجتهد
عمال النظافة في مشفى المجتهد نموذج لحال العاملين تحت رحمة القطاع الخاص الخدمي، إذ يشكون سوء المعاملة وضغط العمل الدائم، ويروي أحدهم: أنه اضطر لترك العمل والعودة إليه مراراً بسبب ما لقيه من معاملة سيئة، مؤكداً: أنه ما كان ليستمر في العمل لولا  الحاجة الماسة إلى النقود، ويوضح بقوله: «أعمل من السابعة صباحاً حتى الثانية عشرة ليلاً، لقاء خمسين ألف ليرة، مع العلم أني أنام في المشفى بصفة مقيم، حيث يمكن استدعائي للعمل في أي وقت حتى لو كان ليلاً، كما أنه ليس لدي أي يوم عطلة على امتداد الأسبوع).
ويعاني العمال أيضاً من عدم وجود مكان مخصص للمنامة، حيث يتوجب عليهم النوم أينما أتيح لهم، أما الوجبات التي يحصلون عليها فهي لا تكفي لإشباع طفل «كما يؤكد أحدهم»، كما أن استراحة الطعام هي الوقت الوحيد المتاح للراحة خلال فترة العمل، التي تتجاوز 16 ساعة يومياً.. ظروفنا صعبة، يؤكد العمال أن دافعهم الوحيد لتحملها هو: تردي وضعهم المعيشي وانعدام وجود بدائل أفضل.  

للخاص معاملة خاصة!
من يزور مشفى المجتهد، يمكن أن يلاحظ تردي جودة خدمات النظافة التي تقدمها الشركة، والسبب هو: عدد العمال القليل قياساً بالأعباء الكبيرة المنوطة بهم، ويقول أحد العمال: «لو قارنا الحال هنا بما هو عليه في مشفى الفيحاء لوجدنا خدمات النظافة والعناية هناك أكبر بكثير، حيث يحظى العمال بظروف أفضل من حيث الأجور والأماكن المعدة للنوم، وسائر الشروط التي تحفظ كرامة العامل، لا شك أن لأولئك العمال ظروفهم ومتاعبهم الخاصة في عملهم، وهي حال سائر العمال الذين يعملون تحت رحمة الشركات الخاصة، إلا أن وضعهم أفضل مما نحن عليه».

مهنة خطرة!
من المعروف أن المشفى مزدحم، حيث يستقبل مئات الأشخاص يومياً بين مرضى ومرافقين لهم، ويخدم مدينة دمشق وريفها، لذا فهو بحاجة لجهود جبارة لإبقائه نظيفاً وخاضعاً لشروط التعقيم المثلى، بما يضمن سلامة رواده وكادره من أية مرض أو عدوى محتملة، ورغم ذلك ومع أن عمال النظافة يتعاملون مع مخلفات خطرة، سواء في أروقة المشفى أو غرف العمليات أو المخابر، إلا أنهم لا يعاملون بوصفهم مزاولين لمهنة لها خطورتها، ولا يتلقون أية تعويضات لقاء الإصابات المحتملة التي قد يتعرضون لها، بحكم عملهم، كما أن لباسهم العمالي يقتصر على رداء بسيط يحمل شعار الشركة، وليس ذا نفع يذكر، أما القفازات التي يفترض أن يكون ارتداؤها لزاما على أي عامل فلا أثر لها.
ورغم معاناتهم وتعدد همومهم، إلا أن أغلب عمال النظافة في الشركات الخاصة متحفظون ويرفضون التحدث عن ظروفهم، خوفاً من أن يصل الأمر إلى مراقبي الشركة، وينتهي بطردهم من العمل، وخسارة دخلٍ هم في أمس الحاجة إليه.

المواساة.. شجون مشابهة!
مقارنة بالمجتهد قد يبدو مستشفى المواساة أقل سوءاً من حيث ظروف عمال النظافة فيه والتابعين أيضاً لإحدى الشركات الخاصة، ولا يمكن الجزم على وجه التحديد ما إذا  كان حال العمال هنا أفضل أم أنهم أكثر تحفظاً فحسب، حين يتعلق الأمر بالحديث عن ظروفهم، حيث تروي إحدى العاملات: أنها تبدأ عملها من الساعة السابعة صباحاً وحتى الثالثة ظهراً، مع يومي عطلة فقط خلال كل شهر، وذلك لقاء أجر أقل من 25 ألف ليرة، وأن الشركة تتكفل بجانب  اللباس والغذاء والمواصلات، إلا أن جردة سريعة لهذا الواقع تكفينا كي ندرك أن هذا الأجر لن يكفي العامل أكثر من بضعة أيام مطلع كل شهر، وأنه يستحيل بمبلغ كهذا أن يكون أجراً منصفاً لمن يعمل ثماني ساعات يومياً ولا يحظى بعطلة إلا مرة كل 15 يوماً.
ما تحدث عنه عمال النظافة في الشركات الخاصة، كان محملاً بالمعاناة والظلم، لكن ما أسرّوه في نفوسهم خشية إدارة هذه الشركة أو تلك، هو لا ريب أشد قسوة وصعوبة، فما أجبرهم على المر_ كما يقال_ إلا الأمر.