المحكمة العمالية بين نص القانون والتنفيذ
محكمة البداية المدنية العمالية شُكلت بموجب القانون رقم /17/ لعام 2010 الذي ينظم علاقات العمل في القطاع الخاص، وتنظر المحكمة في المنازعات الناجمة عن عقد العمل الفردي، والشكاوى الناجمة عن عدم الالتزام بأحكام قانون العمل.
المادة 205 من القانون رقم /17/ شكلت هيئة المحكمة من ثلاثة أعضاء: قاضي بداية يسميه وزير العدل (رئيساً)، وممثلاً عن التنظيم النقابي يسميه المكتب التنفيذي لاتحاد العمال (عضواً)، وممثلاً عن أصحاب العمل يسميه اتحاد غرف الصناعة أو التجارة أو السياحة أو التعاوني (عضواً) ولكن المحكمة بقيت معطلة بسبب عدم انعقاد هيئتها وذلك لتغيب مندوب أرباب العمل عن حضور الجلسات، وهو ما عطل عمل المحكمة لسنوات، وراكم آلاف الدعاوى أمامها.
بالرغم من صدور القانون صدور المرسوم رقم 64 لعام 2013 الذي أدى إلى انطلاق عمل المحكمة فعلياً لكن النتيجة بقيت سلبية بالنسبة للعمال، فالمحكمة تحكم وفق أحكام قانون العمل رقم 17 الذي وضع خصيصاً ليناسب مصالح أرباب العمل، وخصوصاً فيما يتعلق بالتسريح التعسفي، حيث أطلقت يد أرباب العمل في التسريح، ومن دون توفير أية حماية قانونية للعامل، فباتت المحكمة أداة بيد أرباب العمل لتسريح عمالهم وللتهرب من دفع تأميناتهم، دون أن يكون للمحكمة حق الاعتراض على قرار التسريح وإلغائه.
يذكر أن عدد العمال المسرحين من القطاع الخاص وفق إحصائيات مؤسسة التأمينات الاجتماعية بلغ 170 ألف عامل.
مخالفة القانون!
ناهيك عن العقبات الكثيرة التي تواجه العمال أثناء سير الدعاوى، ومنها مثلاً: عدم التزام المحكمة نفسها بنصوص قانون العمل نفسه، وتجاوزها له فمثلاً: المحكمة لا تحكم بنسبة 50 % من الأجر للعامل أثناء سير الدعاوى بحجة أن ذلك يخالف القواعد العامة في قانون أصول المحاكمات المدنية، حسب اجتهادها! ولكن اجتهاد المحكمة ليس صحيحاً؟، لأن النص الخاص يلغي النص العام، وهنا قانون العمل نص صراحة على إعطاء العامل 50 % من أجره أثناء فترة التقاضي، فبأي حق تلغي المحكمة نص القانون، بحجة مخالفته للقواعد العامة؟ ولماذا لا تنتبه المحكمة إلى مخالفة القانون للدستور، أليس الأولى بها إعمال الدستور أولاً، والامتناع عن تطبيق القانون المخالف له ؟
لا توجد أية امتيازات للعامل في المحكمة
نص القانون رقم 17 على إعفاء العامل من دفع أية رسوم أو التزامات مالية في حال رفعه دعوى ضد صاحب العمل، ولكن تشير بعض المصادر النقابية: أن ديوان المحكمة لا يلتزم بهذه المادة ويتم عادة استيفاء الرسوم القضائية كاملة من العامل، مثله مثل أي متقاضٍ أخر.
والقرار رقم 60 المتعلق بالإبلاغ عن طريق الصحف الصادر من وزارة الإعلام، حدد تعرفة مالية تشكل عبئاً على المتقدمين ورفضت وزارة الإعلام إعفاء العمال منها.
والتبليغات يضطر العامل أحياناً إلى إعادة التبليغ عدة مرات، مع ما يستهلكه هذا من وقت قد يصل إلى شهور عدة ، في حين لا يحتاج رب العامل إلا تبليغاً واحداً وعن طريق الصحف مرتين أو ثلاث بحجة عدم معرفته عنوان العامل، ومن ثم تنعقد المحكمة ويصدر حكم بتسريح العامل!! دون أن يكون للعامل أي علم بما صدر بحقه.
وإذا حصل العامل على حكم بحقه، يدخل العامل في دوامة أخرى هي: التنفيذ، وحتى إذا نفذ قرار المحكمة، فهذا لا يغير من الواقع شيئاً لأن تنفيذ الحكم القضائي لا يؤثر عادة على صاحب العمل، ولا يحمل معنى إجباره على تنفيذ التزامه، أو يعطل ذمته المالية، وهذا ما يجعل الحكم وتنفيذه لا فائدة منهما في النهاية.
إعفاءات وهمية
من العقبات التي تواجه العمال، عدم درايتهم بالقوانين العمالية، أو قوانين التأمينات الاجتماعية وتشعباتها، أو قوانين أصول المحاكمات، وبالتالي إعفاء العمال في القانون من توكيل محامٍ يبقى دون قيمة تذكر، لأن العامل لا يملك الدراية الكافية بالقوانين أو قوانين المحاكم والمرافعات لكي يرافع ويدافع عن نفسه، في ظل غياب تام لأي دور للنقابات، وتغاضيها عن هذه المشكلة الحقيقية، وعدم افتتاحها لمكاتب قانونية تتولى الدفاع عن العمال في المحاكم، أو تقديم المشورة القانونية لهم.
تجربة العمال
المشكلة الأساسية تكمن في قانون العمل رقم 17 نفسه، ولكن على الرغم من مساوئ هذا القانون، بسبب التعقيدات الكثيرة في عمل المحاكم العمالية، لا يلجأ العمال إليها لتسوية نزاعاتهم مع أرباب العمل، بل بات العمال يتجهون نحو المفاوضات والتفاهمات الجانبية مع صاحب العمل، وبالرغم من أن تلك التفاهمات تضيع جزءاً كبيراً من حقوق العمال إلا أنها تبقى أفضل للعامل من المحكمة العمالية لتحصيل جزء من حقوقه على الأقل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 835