النقابات في مواجهة رأس المال
في المؤتمر السادس عشر لاتحاد نقابات العمال العالمي، طرح شعار في غاية الأهمية من حيث المحتوى والمضمون « أيها العمال ثوروا ضد الرأسمالية الهمجية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وعالم خال من الاستغلال» وهو يتوجه بشكل دقيق إلى الطبقة الأكثر ثورية في العالم، والتي لها مصلحة في مواجهة الهيمنة الرأسمالية لتناقضها الأساسي مع الرأسمالية، وهذا التناقض الأبدي بين الرأسمال والعمل، والذي لا يزول إلا بزوال الرأسمالية كنظام استغلالي ينهب فائض القيمة الذي تخلقه الطبقة العاملة بجهدها وعرقها ودمها.
تراجع في الدور مع تقدم في النهب
تعرضت الطبقة العاملة لأوسع هجوم رأسمالي أصاب حقوقها ومكاسبها، في ظل تراجع كبير لدور الحركة النقابية المفترض أنها المدافعة عن تلك الحقوق والمكاسب، وضعف الحركة النقابية ناتج عن التسوية الطبقية التي جرت في السنوات الماضية بين رأس المال والعمل «كضامن مفتاحي للسلام والاستقرار المحليين» كما هي تصريحاتهم، فتدخلت الدول بفاعلية في السياسة الصناعية وفرضت معايير الأجر الاجتماعي، عبر إنشاء أنظمة رفاه اجتماعية متنوعة (الصحة، التعليم، الضمان الاجتماعي، إلخ)، وما كانت هذه التسوية الطبقية لتتم لولا قدرة المراكز الرأسمالية على تقسيم وتفتيت الحركة النقابية وظهور الكثير من الحركات النقابية الصفراء المتوافقة مصالحها مع مصالح تلك المراكز الرأسمالية، ولكن تعمق الأزمة الرأسمالية الشاملة كشف ذاك الدور القذر للحركات النقابية الصفراء، في مهاودة ومساومة المراكز الرأسمالية على المصالح الحقيقية للطبقة العاملة، ومنها العمل المستقر، حيث إن شبح فقدان العمل بسبب ارتفاع منسوب البطالة يحمل العمال على قبول التنازلات حتى على مستوى الأجور الحقيقة، التي انخفضت في الفترة الأخيرة مع فقدانه جزءاً كبيراً من الضمان الاجتماعي ورفع سن التقاعد... ومن لا يوافق على هذه الإجراءات أو يقبل بها فإن مصيره إلى الشارع، لأن صاحب العمل يملك حق إنهاء العقد في أي وقت، والعقد أصلاً لمدة محددة وينص على إمكانات الإنهاء قبل انتهاء المدة المحددة، وبناء على هذا فقد مئات الألوف من العمال وظائفهم وعملهم الدائم، وأصبح جزء منهم يعمل بعمل جزئي في اليوم أو عدة أيام في الأسبوع، مما أثر على المستوى المعيشي للعمال وتدني الأجور إلى مستويات غير مسبوقة، وهذا لا نجده أيضاً في أوروبا فقط، بل انتقل إلى عالمنا الثالث، وخاصة في منطقتنا العربية، حيث تعرضت الطبقة العاملة لخسائر كبيرة في حقوقها بسبب تبني توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين، اللذين تقدما بها إلى الحكومات التي تبنت السياسات الاقتصادية الليبرالية، فلعبت دوراً أساسياً في تمركز الثروة بأيدي اللصوص الجدد، وازدياد نسب الفقر والبطالة وأعداد المهمشين، ما أدى إلى خلق بؤر توتر اجتماعية، انفجرت بشكل متسارع، وراحت الجماهير تطالب بحقوقها المشروعة السياسية والاقتصادية وفي مقدمتها إعادة توزيع الثروة المنهوبة أصلاً من عرق وجهد الشغيلة إلى من أنتجها.
تحالفات وتحركات عمالية
إزاء هذا الوضع الخطير الذي يحيط بالطبقة العاملة في العالم فإن ذلك يقتضي أوسع تحالف للحركات النقابية، التي تتبنى خطاً جذرياً في مواجهة القوى الرأسمالية، وهذا ما نشاهده الآن من تحركات جماهيرية واسعة للنقابات في أوروبا من خلال المظاهرات والاحتجاجات الواسعة على الإجراءات الحكومية التي تمس المصالح الجوهرية للطبقة العاملة، ولتوسيع المجابهة مع الإمبريالية، فإن الحركة النقابية الطبقية وحركة الطبقة العاملة بشكل عام، مطالبة بإنشاء جبهة قوية مقاومة للقوى الرأسمالية وحلفائها من النقابات الصفراء، التي تريد تشويش عقول العمال فيما يخص أسباب الأزمة المالية وكيفية الخروج منها.
يا عمال العالم ....
إن حركة العمال لا بد أن تكون المحرك الأساسي في المواجهة.
إن الشرط الرئيس لذلك هو: مدى التغير في وضع الحركة العمالية، من حيث قدرتها على هزيمة القوى السياسية والنقابية الموالية لأرباب العمل المتمسكة بالإصلاحية والانتهازية، ولهذا فإن على حركة العمال أن تقول (لا) لمراكز الإمبريالية، بغض النظر عن موقعها الجغرافي، ومواصلة الكفاح من أجل مصالحها المباشرة، ودون التنازل عن وجهة نظرها، والتي هي باختصار: إسقاط الرأسمالية، والقضاء على استغلال الإنسان للإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إن هذا يضع على عاتق الحركة النقابية والعمالية في أوروبا مهام إضافية في مساندة ومؤازرة الحركة العمالية والنقابية في بلداننا من أجل تحقيق الأهداف نفسها التي تناضل لأجلها الحركة العمالية في أوروبا.
والطبقة العاملة والقوى السياسية الشريفة في بلداننا تتحمل مسؤوليات إضافية، فهي تناضل طبقياً من أجل انتزاع حقوقها، وتناضل وطنياً لصد قوى العدوان الأمريكي والغربي على أوطاننا المتحالف مع قوى رأس المال المحلية التي لا ترى إلا مصالحها وإن كانت على خازوق أمريكي.
وأخيراً نقول: إن تحالف الطبقة العاملة في بلداننا الكفاحي مع الطبقة العاملة والحركة النقابية في أوروبا لمواجهة قوى النهب والاستغلال، هو الضمانة من أجل تحقيق حلم الشعوب المقهورة والمضطهدة والمستغلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 827