تشخيص المشكلة نصف الحل
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

تشخيص المشكلة نصف الحل

يحاول البعض الدوران والالتفاف حول أسباب تردي مؤسسات قطاع الدولة وتراجع مستواها، وأخر ما قدم من حلول في هذا الإطار ما سمي  بتطوير التشريعات للنهوض بقطاع الدولة ومؤسساتها، والحديث يدور حول أهمية وضرورة تعديل قانون العاملين الأساسي بالدولة رقم 50 لعام 2004.

خصوصاً فيما يتعلق بشأن طريقة التعيين، وإسناد الوظائف والدعوة لعودة العمل بنظام المراتب الوظيفية، كما كان معمولاً به سابقاً حسب قانون الموظفين الموحد رقم 135 لعام 1945، حيث كان ينص على: أنه يجب على المرشح  أن يكون قد مر بجميع المراتب الوظيفية الأدنى حتى يصل إلى مركزه، ولكن تمّ إلغاء اعتماد نظام المراتب الوظيفية بالقانون رقم 50 لعام 2004 وسمح بتعيين مدراء دون اعتبار لنظام المراتب وأصبح التعيين في الغالب من خارج ملاك المؤسسات.

المشكلة فيمن يطبق القانون
ومع أن هذا صحيح من الناحية النظرية، ولكن جذر المشكلة ليس هنا، فمؤسساتنا تعاني من الترهل وضعف الأداء، وانتشار الفساد والمحسوبيات، حتى قبل إلغاء نظام المراتب الوظيفية وهذه نتيجة طبيعية للمادة الثامنة من الدستور السابق، فهنا جذر المشكلة الأساسي والتي مازال معمولاً بها بقوة العطالة، التي تستند في التعيين وإسناد المناصب الحكومية إلى الولاءات الحزبية، أو مدى نيل الرضى الأمني والسياسي،  وبغض النظر عن الشهادات والكفاءات والمهارات التي يتمتع بها المرشح، وتحولت بعض الوظائف العامة والمناصب الحكومية إلى سلعة تباع وتشترى، وأصبح معلوماً في البلاد أن من يدفع أكثر أو يملك واسطة هو من يتعين أو ينجح في الكثير من المسابقات الحكومية، فما بالنا بالمناصب العليا.
هذه الطريقة أبعدت العديد من الكفاءات العلمية التي أقصيت أو أجبرت على الهجرة بسبب التهميش المتعمد الذي تعرضت له، وتكونت طبقة من الفساد اغتنت من جهاز الدولة وباتت تسيّر الكثير من مؤسسات القطاع العام وفقاً لمصلحتها وهذه الفئة لا ترفع شعار الدفاع عن القطاع العام والمحافظة عليه، إلا لأنها تعتبره مصدر نهب وتجميع للثروة لتهريبها إلى الخارج، ومنهم من بات يعتقد أن القطاع العام أصبح عائقاً بوجه مصالحهم ولا بد من التخلص منه، تارة تحت مسمى اقتصاد السوق وتارة تحت مسمى التشاركية..  

الحل موجود
الدستور الجديد والمعمول به حالياً يوفر إمكانات حقيقية، من شأنها تأمين عدم استخدام الوظيفة العامة للأغراض السياسية، وخصوصاً أنّ المادة الثامنة الجديدة  تفتح الأفق أمام الجميع لتولي المناصب الحكومية، بعيداً عن الحزبية والمصالح الضيقة، ولكن قوى الفساد مازالت تحاول جاهدة تعطيل تطبيق الدستور الجديد، والمادة الثامنة الجديدة، وتحاول إبعاد الأنظار عن جذر المشكلة الأساسي، وتحويلها نحو قضايا صغيرة، والاقتصار على تعديل بعض النصوص القانونية، التي لا تغير من المعادلة بشيء ولا تقدم أي جديد، وطالما بقيت قوى الفساد مسيطرة على جهاز الدولة ولها سطوتها، فإن أية محاولة للإصلاح سيكون مصيرها الفشل حتماً.

خلاصة
إلغاء قانون التشاركية والتوقف عن الخصخصة المستورة لقطاع الدولة، وتفعيل الدستور الجديد وخاصة المادة الثامنة منه، وإعطاء العمال حقوقهم ومحاربة الفساد محاربة جدية للفساد وبالأخص الكبير منه، ورفع المستوى المعيشي للعمال والموظفين وتأمين حياة كريمة لهم، هذه هي الخطوط العريضة للنهوض بالقطاع العام وتحسين أدائه، ومن هنا: يبدأ الإصلاح، وإلّا فإن أية محاولة للإصلاح سيكون مصيرها الفشل، كما حدث سابقاً، وهذا يستلزم أولاً وجود إرادة سياسية حقيقية تجاه الإصلاح، للنهوض بالدولة ومؤسساتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
824