محركات القوة في الحركة النقابية
نبيل عبد الفتاح نبيل عبد الفتاح

محركات القوة في الحركة النقابية

منذ ثمانينيات القرن الماضي انخفضت مستوردات قطاع الدولة إلى النصف، بينما ازدادت مستوردات القطاع الخاص ثلاثة أضعاف، وصدر قانون العمل الأساسي رقم 1 لعام 1985 الذي تضمن المادة 138 سيئة الصيت. وهذا يعني تراجعاً لدور الدولة، وزيادة نفوذ قوة الليبرالية الجديدة مما رتب على الحركة النقابية مهمة التصدي للسياسات المتبناة، وهي الليبرالية الاقتصادية، وفقاً لتوجيهات ونصائح صندوق النقد والبنك الدوليين.

إن مسألة الحريات الديمقراطية النقابية هي إحدى مرتكزات النضال في مواجهة تلك السياسات، وهي من الأسس الضرورية في حياة العمال وحياة منظمتهم النقابية، فكلما اتسعت هذه الحريات وتوطّدت ازدادت النقابات قوة وصلابة في الدفاع عن حقوقهم وتحصيلها، وعلى رأسها مطالب العمال المتعلقة برفع مستوى حياتهم ومعيشتهم بما يوازي هذا الغلاء المستشري في البلاد.
فإعادة النظر بالأجور، وذلك بضرورة زيادتها وفق سلم متحرك مع الأسعار ومحاربة الفساد والنهب والغلاء هي ليست قضية العمال فحسب، بل هي قضية وطنية بامتياز،وهذه الوقائع الاقتصادية التي نشهدها اليوم تؤكد يوماً بعد يوم أن القوى الليبرالية والتي تزداد أرباحها وتمركز ثروتها من سرقة كل شيء في البلاد، وحتى سرقة أحلام العمال والفقراء كافة، تؤكد أهمية وضرورة الحريات النقابية والديمقراطية والتي في العمق منها تبني حق الإضراب المستثنى من التبني إلى الآن من قِبَل الحركة النقابية .
إن تجربة العمال عامة، وعمال القطاع الخاص بشكل خاص، الذين يعملون في ظل ظروف عمل رديئة واستثنائية، فهم محرومون من احتياجاتهم الطبيعية والضرورية بسبب ضعف أجورهم وتعويضاتهم على اختلافها، مما عكس نفسه على علاقتهم بالمنظمة المفترض أنها قلعتهم في الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم، التي تعترف النقابات بأحقيتها ومشروعيتها بالنسبة للعمال، ولكن الطرق والأدوات لتحصيلها تكون قاصرة وتعتمد جانباً واحداً في المعالجة وهو الجانب الورقي، أي: المذكرات المتداولة بين الجهات ذات العلاقة بحقوق العمال والنقابات وهذا قد يفيد جزئياً في الأخبار عن المطالب والحقوق، ولكن إذا ما اقتصر على هذا الجانب تكون إمكانية تحقيق المطالب والحقوق مرهونة برغبة تلك الجهات أو عدم رغبتها والتجربة تدلل على هذا الواقع في الكثير من الحالات التي يعرفها العمال والنقابات.
التنظيم النقابي ليس مجرد هيئات نقابية ينحصر نشاطها في مجال الخدمات النقابية البسيطة من مساعدات إنسانية صحية واجتماعية وغيرها فقط، بل عنده كل الإمكانيات، والتجربة التي يمتد عمرها طويلاً في النضال الوطني والطبقي، وهذه ميزه لا تتوفر في منظمات آخرى، مما يجعل لديها القدرة على أن تكون في طليعة القوى المواجهة والمتصدية لتلك السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومات المتعقبة المحابية لقوى رأس المال والمعادية بالضرورة لمصالح العمال والكادحين.وأننا نعتقد أن إغضاب هذه الحفنة من الفاسدين والناهبين لاقتصادنا الوطني أسهل بكثير من إغضاب العمال والكادحين كافةً، (فللَّه رجال إذا أرادوا أراد الله ).
لقد بينت كل أحداث الأزمة التي تعصف بالبلاد أن العمال سواء كانوا في القطاع الخاص أو قطاع الدولة هم الأشد حرصاً على الإنتاج، والأكثر صدقاً وأمانةً في حماية منشاتهم وآلات معاملهم، في الوقت نفسه هم الأشد فقراً وتأثراً بالأزمة فهم من هجروا من مناطقهم وتشردوا في الديار الواسعة، فكانت الفاتورة التي دفعوها كبيرة وغالية الثمن.
يقول المثل الشعبي ( صديقك من صدَقَك لا من صدّقك ) هكذا العمال فهم دائماً مع من يصدقهم القول والفعل، ولمن يتصدى للدفاع عن حقوقهم، فالمنظمة النقابية لا تستطيع فرض احترامها لدى العمال وارتباطها بهم وارتباطهم بها إلا بقدر ما تقوم به من الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم كافة، وبمقدار ما تتعزز قوة العمال وحركتهم النقابية يتضاءل نفوذ قوى الفساد والنهب المختلفة.
المرحلة القادمة مع الحل السياسي للأزمة الوطنية ستفتح الباب على مصراعية أمام الفقراء، ومنهم العمال، لخوض معركة الدفاع عن حقوقهم السياسية والاقتصادية والديمقراطية النقابية في مواجهة قوى النهب والفساد الكبيرين فلنستعد لهذه المعركة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
821