التشاركية إلى الأمام سر
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

التشاركية إلى الأمام سر

أنعقد مؤخراً في فندق الداما روز بدمشق ملتقى الاستثمار الأول،  تحت شعار سوريا نحو المستقبل،وبعد يوم واحد فقط من انتهاء أعمال الملتقى، شكل مجلس الوزراء لجنة متابعة فنية لمخرجات الملتقى مؤلفة من وزراء السياحة والاقتصاد والتجارة الداخلية والدولة لشؤون الاستثمار، لمتابعة ما تم طرحه خلال الملتقى وقد حظي المؤتمر باهتمام وتغطية إعلامية واضحة من قبل مختلف وسائل الإعلام المحلية، وعبر مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر المواقع الإلكترونية التابعة للحكومة .

الشعارات في خدمة الرأسمال
 الملفت أكثر في المؤتمر هو شعار المؤتمر ذاته (معاً نحو اقتصاد مقاوم / سوريا نحو المستقبل )!!! فبعد أن استغلت قوى الفساد حالة الحرب التي تعيشها البلاد، ومررت قانون التشاركية تعمل اليوم جهدها لنقل القانون الى حيز التنفيذ، وكأنها تسابق الزمن و تخلط شعارات مثل سوريا المستقبل، والسيادة الوطنية، والمقاومة مع مشاريعها الريعية.

إلى أين ستقودنا التشاركية ؟
إذا كان شعار اقتصاد السوق الاجتماعي قد قاد البلاد إلى كارثة لن تزول آثارها بعشرات السنين حيث جعل من اقتصاد البلاد رهينة بيد قوى رأس المال، لتفعل فعلها في الصناعة والزراعة في البلاد، وترفع معدلات البطالة وتفاقم حالة الفقر، فماذا سيكون الحال مع التشاركية؟ خصوصاً أنّ الحكومة تطرحه كمخلص من الكوارث التي حلت في البلاد، وتعقد المؤتمرات والمعارض والندوات  لترويجه، و تعتبر الحكومة انسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية و تسليم البنى التحتية والمرافق العامة والمشروعات الاستثمارية والقطاع العام للتجار والمستثمرين تأسيساً للاقتصاد المقاوم.

فجأة وجدت الموارد
بالعودة إلى الملتقى وما شهدناه وما سمعناه من خطب للوزراء والكرم الحاتمي الذي نزل عليهم فجأة من عرض لتسهيلات وقروض وأراض ومشاريع للمستثمرين....إلخ من التسهيلات التي لا نسمعها ولا نراها عادةً في اجتماع الحكومة مع نقابات العمال بل نسمع عكس هذا الكلام تماماً وهو مطالبة العمال بشد الأحزمة، وأن الموارد غير موجودة، والبلاد في حالة حرب، ولا إمكانية بالتالي لتحسين الوضع المعاشي، وعلى العمال أن يعملوا بوطنيتهم، هذا عدا أن المؤتمرات العمالية تجري بتغطية خجولة من قبل وسائل الإعلام عكس ما جرى خلال ملتقى الاستثمار.

الحرب فرصة ذهبية
كلمات وخطب المسؤولين في الملتقى كشفت عدم واقعية المبررات التي ساقتها الحكومة  لإصدار قانون التشاركية، فرئيس هيئة تخطيط الدولة تحدث أن قانون التشاركية أتى ليشارك بشكل كبير في موضوع ترميم المنشآت المتضررة خلال الحرب، وإعادة الإعمار مع العلم أن قانون التشاركية أصدر خلال جلسة واحدة لمجلس الشعب، وهو يدل على أنه كان جاهزاً قبل مدة طويلة، وأن الحرب وخسائرها كانت بمثابة فرصة ذهبية لتمرير القانون وتبريره أمام الشعب، المشغول أصلاً بالحرب وويلاتها.

المستثمرون بحاجة إلى دعم
كلام وزير السياحة أيضاً حين أشار إلى أن ما تطرحه الحكومة اليوم، هو مغريات استثمارية أردنا طرحها على المستثمر السوري، وأن من أهم نتائج هذا الملتقى هو قانون استثمار يليق بسوريا في المرحلة القادمة، ربما كان قصد الوزير هو قانون استثمار يقدم سوريا في مرحلة إعادة الإعمار على طبق من ذهب للتجار والمستثمرين، وزير المالية من جهته أكد أن الحكومة ستؤمن الإقراض والتمويل والبيئة الاستثمارية، لأن الشركاء في الاقتصاد الوطني بحاجة للعديد من التسهيلات فالحكومة ستقرض المستثمر لتمويل مشروع عجزت هي عن تأمين تمويله (حسب تصريحاتها المتكررة )، وهذه إحدى التبريرات الأساسية للحكومة، لإصدار قانون التشاركية.بالإضافة إلى أن إقراض المستثمر وتمويله والتنازل له سيحدث ضغطاً على الخزينة العامة مما سيؤدي الى انخفاض أكثر في قيمة العملة وفقدان القوى الشرائية لليرة السورية، وسيسبب ارتفاعاً كبيرا بالأسعار بالإضافة إلى رداءة الخدمات التي ستقدم، وكل هذه النتائج سيتحملها المواطن الفقير وحده وتجربة مصر ولبنان وتونس خير دليل على ذلك.

مغريات لم تذكر
 أما عن توفير البيئة الاستثمارية التي قصدها السادة الوزراء في كلامهم  فتلك التي قدمت للمستثمرين  خلال السنين الماضية من خفض لرواتب العمال الحقيقية، وتخفيض قيمة العملة ورفع للأسعار لأغراء المستثمرين، وسن قانون عمل ظالم يسمح لرب العمل بتسريح عماله ويحرمهم من المطالبة بحقوقهم المشروعة، وتعطيل عمل المحاكم العمالية، لمنع العامل من التوجه للقضاء، وتجميد تطبيق الدستور، وتحويل العامل إلى أقل من مرتبة العبد، لأن  الأخير يحصل على ما يبقيه على قيد الحياة على الأقل، أما العمال فأجورهم لا تؤمن الحد الدنى لمعيشتهم  و فرض مزيد من الضرائب على المواطنين مقابل اعفاءات ضريبية للمستثمرين والسماح لهم بتهريب أموالهم إلى الخارج.

فشل الملتقى
لقد أثبت الملتقى فشله فكلام الحكومة عن مشاريع إنتاجية أو استثمارية لم نرَ منه شيئاً وكل المشاريع التي أعلنت هي مشاريع ريعية وخدمية، ذات ربح سريع، كقطاع السياحة والنقل، وهذه من سمات  الرأسمالية الطفيلية التي تسعى نحو الربح السريع، وهذا لا يدعم بناء الأوطان، لأنه في الأحوال كلها هو عبارة عن رأسمال تابع ومرتبط.

معلومات إضافية

العدد رقم:
818