عمال محطة بانياس.. قد لا نفيكم حقكم!

عمال محطة بانياس.. قد لا نفيكم حقكم!

انتهت حملة الزخم الإعلامي التي ترافقت مع إعادة تشغيل العنفة الغازية الثانية بمحطة توليد بانياس، مع الإعلان عن تكريم العمال الذين قاموا بصيانة هذه العنفة!.

لقد قام هؤلاء العاملون بأعمال صيانة العنفة، خلال فترة زمنة قياسية لم تتجاوز الشهر وخمسة أيام فقط، مستعينين بما هو متوفر من الأدوات والقطع البديلة في المستودعات، من دون الحاجة لاستيراد أية قطعة من الخارج.
وقد بيّن مدير عام محطة توليد بانياس أن المحطة مؤلفة من أربع مجموعات بخارية، ومجموعتين غازيتين تعملان بحمولة متاحة قدرها بين 120 و150 ميغا واط حسب درجة الحرارة.
جهود مضنية بأيدٍ وخبرات وطنية
يذكر أن كادر الصيانة في المحطة كان قد واجه المشكلة عندما خرجت هذه العنفة عن الخدمة، بسبب عطل فني طارئ منذ شهر آذار المنصرم، وهي باستطاعة 150 ميغا واط ساعي.
وفي ظل عدم وجود قطع الغيار المطلوبة، وصعوبة تأمينها من الخارج بسبب العقوبات، بالإضافة لارتفاع أسعارها، ومدة التوريد التي من الممكن أن تكون طويلة، مع عدم الإمكانية بالاستعانة بالخبرات الأجنبية في هذا المجال بالسرعة المطلوبة، مما دعاهم للاعتماد على خبراتهم الفنية المتراكمة، والإمكانات المحدودة المتوفرة بين أيديهم، المتمثلة ببعض المتوفر من القطع البديلة والأدوات.
انخرط هؤلاء بالعمل من أجل إصلاح العنفة، واستمروا بالعمل لمدة 35 يوماً، بمعدل 18 ساعة يومياً، وقد تكلل عملهم بالنجاح، رغم الصعاب كلها التي واجهوها، والتي تم تذليلها من قبلهم، ولحظة الفرح العارمة كانت عندما تم اختبار تشغيل العنفة، ونجاح الاختبار.
لقد كانت هناك أضرار كبيرة في مجموعة الضاغط والعنفة وحجرة الاحتراق، مع وجود شفرات مكسرة، وقال رئيس شعبة الصيانة في العنفات الغازية أنه جرى استخدام كل أجهزة القياس الموجودة في المحطة لتحديد العطل بدقة والتواصل مع الشركة الصانعة لفتح أغطية الضاغط والعنفة من قبل العمال، وإحضار القطع التبديلية من مستودعات الشركة والشركات الرديفة كشركتي الناصرية وتوليد تشرين الحرارية، لافتاً إلى أنه تم التأكد من جاهزيتها واختبارها وإعادة الحمولة بشكل كامل، وذلك حسب وسائل الإعلام.
الوفر 10 ملايين دولار فقط
لا بد من الإشارة إلى أن هذا الجهد، بالاعتماد على الكفاءات والخبرات الذاتية الوطنية، وما هو متوفر من قطع غيار وأدوات، وغيرها، أدى إلى توفير أكثر من 5 مليار ليرة سورية، هي التكلفة الفعلية لمثل هذه العملية من الصيانة، بحال تم استيراد القطع البديلة من الخارج، والاستعانة بالخبرات الأجنبية من أجل عملية الصيانة تلك، حيث طلبت الشركة الأم والشركات الأجنبية المتخصصة مبلغ 10 ملايين دولار لإصلاح هذا العطل الكبير، وذلك حسب ما تم تناقله من حديث لوزير الكهرباء عبر وسائل الإعلام، وهو وفر على الخزينة العامة، ومن جيوب المواطنين بالنتيجة.
نقاط للإضاءة
عملية الصيانة تلك، وإن بدت بنتائجها سلسة، إلا أن في مضمونها جرأة وتحمل مسؤولية معتمدة على الثقة بالخبرات الفنية والتقنية المتوافرة لدى الكفاءات من ذوي الخبرة من عمال الصيانة في المحطة، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ قرار القيام بعملية الصيانة وتحمل نتائج تنفيذه.
على ذلك فإن ما جرى، كمقدمة ونتائج، يعتبر تأكيداً لا لبس فيه على أن الخبرات الفنية المتوفرة لدى جهات قطاع الدولة، هي كفاءات ما زالت موجودة، وقادرة على تنفيذ أعقد المهام، وفي أحلك الظروف، مع حسن استثمار الإمكانات والموارد المتوفرة، على الرغم من الاستنزاف الذي جرى على هذه الخبرات خلال السنوات السابقة، وعلى الرغم من كل مساعي الاستخفاف بالإمكانات المتاحة في هذا القطاع، تمهيداً لخصخصته، أو وأده، عبر شعارات التشاركية مع القطاع الخاص، وغيرها من الوسائل الأخرى.
كما أن هذه التجربة التي كللت بالنجاح، تؤكد أنه عندما تتوفر الإرادة وتسخر الإمكانات، فإن جل الصعوبات يمكن تذليلها وحلحلتها.
ولعل الأهم من كل ذلك، هو أن العاملين الذين قاموا بهذا الإنجاز الوطني، وإن كانوا من أصحاب الدخل المحدود والمتآكل، وإن كانوا بعوز بظل الواقع الاقتصادي المعاشي السيء والمتردي، إلا أنهم لم يتوانوا عن بذل كل طاقتهم وجهدهم من أجل إنجاز مهمتهم، بعيداً عما يمكن أن يجنوه لقاء ذلك على مستوى التقدير المادي والمعنوي لجهودهم، بل جلّ ما كانوا يصبون إليه هو أن يجدوا نتيجة عملهم بتشغيل العنفة وإقلاعها، وقد تمثلت مكافأتهم الحقيقية بذلك، حيث قيل أن بعضهم قد فاضت دموعه فرحاً وغبطةً، وهو ما يمكن اعتباره ترابطاً عضوياً بين الطبقية والوطنية، التي تمثل بها هؤلاء العاملون.
وعلى الرغم من ذلك يمكن القول إن التقدير المعنوي والمادي الذي تلقاه هؤلاء العاملين، وإن كان إيجابياً ومن أعلى المستويات الرسمية، ومع كل ما قيل عبر وسائل الإعلام، إلا ان كل ذلك قد لا يفي هؤلاء حقهم.
وبناء على كل ما سبق يحق لنا القول إنه من الضروري تحقيق مطالب العاملين المحقة والمشروعة، وألا يتم تغييبها والمماطلة بتنفيذها، سواء كانت هذه المطالب اقتصادية معيشية أو خدمية، فهؤلاء هم منتجو الثروة والمحافظون عليها والمدافعون عنها، وهو أمر ثابت، كما ويتم إثباته يوماً بعد آخر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
816