العمال بين التجربة والمعرفة!
الإضراب فكرة ليست بالجديدة بل هي فكرة مطروقة ليس في هذا الزمن بل منذ أزمان غابرة عبَّر من خلالها المظلومون عن ظلمهم وحاولوا رده عنهم، ينجحون مرات ويفشلون مرات أخرى وهذا شيء طبيعي في سياق النضال العام من أجل حقوقهم ولكن في كل مرة ينجحون فيها أو يخسرون يكتسبون تجربة تعزز من معرفتهم وقدرتهم على التعامل مع الظروف المختلفة في المراحل القادمة.
يعرفون كيف تكون المناورة إذا تطلب الأمر ذلك ويعرفون متى يصرون على موقفهم وهذا خاضع لمقاييس موازين القوى بينهم وبين من يطلبون حقوقهم منه ومن يدعمه في موقفه في مواجهة الإضراب الذي هو بمثابة الكي يلجأ إليه العمال متى استنفذوا فرص الحوار والمطالبة بحق من حقوقهم ولكن هل ينجح العمال في إضراباتهم على طول الخط وهم مجتمعون ومتعاضدون ومتوافقون على مطلبهم أم احتمالات الفشل واردة ضمن الحسابات التي يحاول رب العمل استمالة البعض فيها لكسر الحالة.
إن الإجابة عن هذا التساؤل لا يمكن أن تكون بمعزل عن معرفة مجمل الظروف المحيطة بهم لأن توفر الشرط الأول على أهميته هو شرط غير كافٍ للإجابة ولابد من معرفة الشروط الأخرى المرتبطة بواقع العمل من حيث درجة ممانعة رب العمل والوضع القانوني لحق الإضراب والموقف النقابي من حق الإضراب وموقف جهاز الدولة من حق الإضراب.
هذا الحق مارسته الطبقة العاملة في كل أصقاع العالم، ومنها الطبقة العاملة السورية دون إذن مسبق، لأن المصالح والحقوق العمالية تدفع العمال للتفكير الجماعي بالأشكال التي لا بد من إتباعها للدفاع عن مصالحهم ضد الاستغلال الذي يتعرضون له خاصة في ظل تشريعات قانونية، تجيز لأرباب العمل ممارسة الاستغلال ونهب الحقوق وتجاوزها، وكأن تلك القوانين قد فصّلت على مقاسهم لتأمين حرية أعلى في السيطرة والهيمنة، وبالمقابل تحرم العمال من حقهم في الدفاع عن مصالحهم تحت حجج أن قوانين العمل لا تجيز حق الإضراب وبالتالي لا حق للعمال بممارسته والاكتفاء بالمطالبة عبر الأشكال المصرح بها.
المستغرب في هذا السياق وفي ظل الاتفاقيات الدولية والعربية الضامنة لحق الإضراب، التي جرى التوقيع عليها، أن هناك استهجاناً للمطالبة بحق الإضراب من بعض المسؤولين واعتبار هذا من المحرمات التي يجب عدم الاقتراب منها أو الحوار فيها، ولو جرى ذلك تحت سقف النقابات. حيث يجري التصدي لطارحي حق الإضراب بقوة في محاولة لإثبات بطلانه وعدم حاجة الطبقة العاملة السورية له، وكأن كل الأمور تقاس حسب حاجة العمال لهذا المطلب أو ذاك، فيتم تلبيتها وتحقيقها وفق حاجات العمال؟!
والمستغرب أيضاً أن من كان يحاور العمال في مطالبهم كان يطالبهم بفك الإضراب لأن القانون لا يسمح وأن الوضع الاقتصادي لا يسمح بهكذا أفعال متغاضياً عن أن الدستور السوري وهو الأصل في القوانين يسمح بحق الإضراب وقوانين العمل لم تحرم هذا الحق ولم تسمح به أيضاً وهذه القوانين المعمول فيها واجبة التعديل وفق الدستور ولكنها لم تعدل وبقيت سارية المفعول على العمال فقط يتمكن أرباب العمل ومن في حكمهم من التحكم والسيطرة وفرض الشروط التي تناسبهم «العقد شريعة المتعاقدين» والعمال في سوق العمل هم الحلقة الأضعف التي تملى عليهم الشروط ولا يستطيعون تعديلها ومضطرون لبيع قوة عملهم بسعر يحدده سوق العمل.
إن الخط البياني الهابط باستمرار للأوضاع المعيشية للطبقة العاملة وعدم تلبية مطالبها والاستجابة لحقوقها بما فيه زيادة أجورها عبر سلم متحرك مع ارتفاع الأسعار سيعقد الأوضاع أكثر ويجعل الظرف الموضوعي فاعلاً في تحركاتها التي تنضجها الظروف وتدفع بها إلى السطح وهو قدر الطبقة العاملة ليس في سورية فقط بل في العالم الذي انفتح أمامها الأفق للتغيير كتعبير عن تغير موازين القوى التي ستذهب فيها السياسات الاقتصادية الليبرالية إلى جهنم وبئس المصير.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 812