الأجور بين تجاذبات الأطراف الثلاثة (الحكومة ـــ أرباب العمل ـــ النقابات)

عند كل ارتفاع جديد للأسعار يكثر الجدل حول ضرورة زيادة الأجور للعمال في القطاع الخاص والعام ليستطيع العامل في كلا القطاعين أن يؤمن متطلبات الوضع المعيشي الذي يزداد سوءاً مع كل ارتفاع جديد للأسعار، حيث يدخل الأطراف الثلاثة المعنيين بسوق العمل (الحكومةـ أرباب العمل ـ النقابات) في جدل طويل كل طرف يستخدم حجته لضرورة الزيادة أو عدم أحقية الزيادة، ويعيش العامل إزاء هذا الجدل البيزنطي والذي تكون نتائجه كارثية على العامل لأنه الطرف الأضعف، والذي لايستطيع أن يؤثر في الوقت الحالي........

ذاك الحوار السائد بين الأطراف الثلاثة، حيث كل طرف يقدم لنا كل مالديه من حجة، فالحكومة عبر وزارتها وزارة العمل لاتستطيع أن تفرض زيادة أجور على أرباب العمل على الرغم من مسؤوليتها عن ذلك وعن صلاحياتها الممنوحة، ولكن واقع الحال يقول إن الوزارة متلاقية مع مايذهب إليه أرباب العمال إلا بحالات استثنائية خاصة، والحالة الوحيدة التي يمكن للوزارة اتخاذ قرار ملزم هو رفع الحد الأدنى للأجور.
وبدورهم أرباب العمل يقولون كما صرح الصناعي هيثم الحلبي عضو غرفة صناعة دمشق لصحيفة تشرين أن 70% من عمال القطاع الخاص يحصلون على عوائد أعلى من القطاع العام، وأن معظم الشركات الخاصة تتمسك بمبدأ أن الأجور الممنوحة للعمال لديها أعلى من الأجور الممنوحة في القطاع العام لذلك الدعوة إلى تحسينها ليست في محلها، وأن تدخل الوزارة من أجل هذا غير مبرر.
والطرف الثالث المفترض أن يمثل العمال بمثل هذه الأحوال ليس له حول ولا قوة فهو غير قادر على فرض أي زيادة للأجور تتبناها وزارة العمل وهي الشريك مع الحكومة ( من طرف واحد) ولا هو قادر على اتخاذ موقف يستطيع أن يعبئ الطبقة العاملة، وخاصة العمال العاملين في القطاع الخاص على انتزاع حقهم في زيادة الأجور، لأن العلاقة مع هؤلاء العمال ضعيفة بل غائبة لدرجة أن البعض يقول أن النقابات هي ممثلة لعمال القطاع العام فقط.
أما عمال القطاع  الخاص وهم الأغلبية الساحقة من الطبقة العاملة السورية فتمثيلها يكاد لايذكر في التنظيم النقابي رغم كل مايقال عن ضرورة تنسيب العمال في القطاع الخاص إلى النقابات وضرورة جذبهم للمنظمة النقابية من خلال زيادة الخدمات التي تقدمها النقابات لهؤلاء العمال، ولكن يبدو أن الأساليب المتبعة في هذا السياق ليست كافية لإقناع العمال بأهمية وضرورة انتسابهم إلى النقابات مما يعني أن النقابات لابد من تجد الطرق والأساليب الكفيلة من أجل أن يصبح تمثيل العمال في القطاع الخاص يتناسب مع حجمهم الحقيقي في الطبقة العاملة السورية.
إن قضية الأجور والمعركة حولها في النهاية تحددها موازين القوى الطبقية وأن الطبقات السائدة في المجتمع والتي تكون حصتها من الدخل الوطني الحصة الكبرى، وبالتالي لكسب معركة الأجور لابد من تعديل موازين القوى لصالح الطبقة العاملة وهذا يتطلب من النقابات بالدرجة الأولى والقوى الوطنية التي تضع في برامجها قضية الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة، مراجعة علاقاتها مع الطبقة العاملة السورية من حيث التعبير الحقيقي عن مصالحها والدفاع عن مكاسبها وحقوقها الاقتصادية والديمقراطية وفي المقدمة إعادة توزيع الدخل الوطني بزيادة أجورها الفعلية والتي لاتتجاوز الآن 17% من الدخل الوطني.
إن الركون لما يقوله أرباب العمل حول أجور عمال القطاع الخاص، وتفوق أجور القطاع العام، سيؤدي إلى تحويل المعركة إلى مقارنات بين القطاعين والامتيازات التي يقدمها كل قطاع خاصة وأن الفوارق واضحة للعيان بما يقدمه كل قطاع لعماله من حيث الخدمات والتأمينات والطبابة والتعويضات الأخرى والحوافز الإنتاجية... إلخ.
لذا فإن الأمر الأساسي الآن ليست تلك المقارنات بل إنها قضية الأجور في كلا القطاعين كقضية تهم الطبقة العاملة السورية بمجملها (الأجور) والتي تعتبر متدنية إلى حد بعيد عن مستوى الأسعار السائدة، وبالتالي عدم قدرتها على تلبية احتياجات الحياة الأساسية للطبقة العاملة السورية، وإن السير باتجاه تحقيق سلم متحرك بين الأجور والأسعار هو منطق سائد في اقتصاد السوق الرأسمالي الذي يريد أن يحافظ على استقرار في السوق والمجتمع إن ذلك يعني بداية النجاح لخلق ذلك التوازن المطلوب تحقيقه لمكونات السوق الثلاث في اقتصاد السوق الأساسي (حرية حركة رأس المال، حرية حركة السلعة، وكذلك حرية حركة قوة العمل)، وهذا يعني تمكن الطبقة العاملة من فرض  نفسها لها مصالحها الوطنية والاقتصادية والسياسية فهل ستتمكن النقابات والقوى الوطنية من الخروج من عنق الزجاجة بعلاقتها مع الطبقة العاملة أم ستبقى الهوة تتسع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
284