سهيل قوطرش سهيل قوطرش

وجهات نظر الطبقة العاملة السورية.. الواقع والآفاق

بدءاً من هذا العدد نفتح الصفحة العمالية في قاسيون نقاشاً هادئاً لملفات تخص الطبقة العاملة في بلادنا مساهمة منها بإغناء النقاش حول وضع الطبقة العاملة السورية مبرزة أهم القضايا التي تهمها. نرجو المساهمة في الكتابة حول هذا الملف لتسليط الضوء على واقع طبقتنا العاملة بكل جوانبه الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنقابية.

إن علاقة الطبقة العاملة بالنظرية لا تبدأ بجمع بشري محروم وفقير يفتش عن مثقف طيب الإرادة أو عن علم يستنير به، إنما تبدأ هذه العلاقة في شكلها العلمي الصحيح بتاريخ نضال الطبقة العاملة الذي أسس تاريخاً جديداً للمجتمع الإنساني، ولا معنى للنظرية بدون الرجوع إلى هذا التاريخ الذي راكم ممارسة نوعية تعيد طرح سؤال النظرية وسؤال المثقف بشكل يختلف عن التصور التقليدي للنظرية والثقافة، فلا يمكن الحديث عن الوعي الطبقي بدون الحديث عن وعي المصالح الطبقية والوسائل الضرورية لتحقيقها أي أنه لا يمكن الحديث عن الوعي الذاتي دون الإشارة وبشكل محدد إلى الوعي السياسي والاقتصادي. فالطبقة العاملة في أي بلد هي جزء من الطبقة العاملة العالمية وإذا نظرنا إلى مستقبلها فبالطبع يجب أن ننظر إليها في إطار سياسي معين حيث لابد وإن تكون لدينا نظرة واقعية وعلمية عن وضع الطبقة على النطاق العالمي أولاً والتي تشهد صراعاً طبقياً حاداً مع قوى الرأسمالية المتوحشة فالصراع ما بين العمل ورأس المال يزداد حدة ولا سيما بعد الانتصار المؤقت للرأسمالية على النموذج الاشتراكي الأول الذي طبق في بلدان المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي السابق حيث استطاعت الرأسمالية الاستفادة من التطورات العلمية في مجالات التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات مما أكسبها حركة أكثر استطاعت من خلالها التكيف مع المستجدات التي نشأت نتيجة التطور الحاصل على المستوى العلمي حيث أنها قادرة على أن تواجه مشكلاتها بكفاءة أكثر من ذي قبل معتمدة على استنباط أساليب متطورة في آليات النهب لخيرات الشعوب وتسخيرها لمصالحها وفق ربط ما بين مفهوم الاستعمار القديم والجديد حيث تحولت آليات التبعية المباشرة وغير المباشرة مع النظام الرأسمالي ومؤسساته إلى ربط الحكومات والمؤسسات في بلدان العالم الثالث بسياسات الثالوث غير المقدس لما يسمى بالنظام العالمي الجديد //صندوق النقد الدولي ـ البنك الدولي ـ ومنظمة التجارة الحرة الغات// وغدت نماذج الحلول التي تطرحها هذه المؤسسات على حكومات البلدان النامية التي تعاني من فشل سياسة التنمية التي اتبعتها خلال المراحل السابقة خير مثال على النهب المنظم لخيرات هذه الشعوب والبلدان حيث تساهم وصفاتهم بنشر التخلف والفقر والأمية والبطالة وهي النتيجة الحتمية لمثل هذه الوصفات والتي تتعلق ببرامج التصحيح والتثبيت الهيكلي لاقتصاديات البلدان النامية وفق متطلبات اقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي. وهذا انعكس سلباً على تطور القوى المنتجة في هذه البلدان التي ارتبطت مع مؤسسات ما يسمى بالنظام العالمي الجديد بسلسلة من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والتي انعكست بشكل كبير بارتفاع نسبة المديونية في هذه البلدان مما أدى إلى انكماش في النمو الاقتصادي حيث أقفلت العديد من المؤسسات الإنتاجية في هذه البلدان ومن ثم، كما أسلفت سابقا،ً أدى إلى ازدياد نسبة البطالة التي أثرت على نمو الطبقة العاملة وعلى الحراك الاجتماعي في هذه البلدان.

 أما على النطاق العربي فنجد أن فشل سياسة التنمية وإخفاق حركة التحرر الوطني العربية في تحقيق أهدافها انعكس سلباً على نمو الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة العربية وأثر بأشكال مختلفة عليها مما أدى إلى انعزالها عن حركتها الثورية في هذه البلدان وبأشكال مختلفة.

 وعلى صعيد طبقتنا العاملة السورية فيجب أن نقف عند قضية هامة قد تغيب عن أذهان البعض وهي أن الطبقة العاملة السورية والتي نمت وترعرعت على أرضية النضال الوطني وربطت نضالها الطبقي بنضالها الوطني هي الطبقة التي واجهت كل المؤامرات على القضية العربية بدءاً من تفجير أنابيب النفط أثناء العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة إلى وقوفها بحزم بوجه الردة الرجعية في الثمانينات حيث أحبطت مشروع القوى الرجعية آنذاك فهي لم تستسلم ولم تنجر إلى اطروحات هذه القوى وكذلك لعبت دوراً هاماً عبر حركتها النقابية في الوقوف بوجه الدعوات التي أخذت تُروج للانفتاح الاقتصادي وأعادت النظر بالسياسيات الاقتصادية بما يتلاءم مع النموذج الليبرالي الجديد بما يمثله من توجهات في مجال التطور الاقتصادي اللاحق عبر سياسات ما يسمى بالانفتاح التدريجي أو الكامل وكذلك وقفت موقفاً واضحاً إلى جانب كل القوى الوطنية والتقدمية ضد الصلح المنفرد مع إسرائيل الصهيونية وتاريخ الطبقة العاملة السورية حافل بالمواقف الوطنية الثابتة.

 ولكن انعكاس السياسيات الاقتصادية على وضع الطبقة العاملة السورية أثار كثيراً من السلبيات أثرت وبأشكال مختلفة على تطورها بشكل عام وقد انعكس ذلك في الظواهر التالية:

 ـ التقلص النسبي لقطاعات الإنتاج السلعي لصالح قطاعات الإنتاج الخدمي.

 ـ اتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية وبروز فئات وطبقات معينة ذات ثروات طائلة بينما استقطب الفقر الطبقة العاملة والعاملين بأجر بشكل عام.

 ـ تجزئة وتفتيت الطبقة العاملة ليس فقط بين المدينة والريف وليس فقط عبر فروع الاقتصاد المختلفة وإنما أيضاً داخل كل فرع وداخل كل قطاع بحسب العلاقة مع الرأسمال الجديد بدعوى التحديث وبحسب إنتاجية العمل وكذلك في كل فرع من فروع الاقتصاد وبان واضحاً في القطاع الخاص أكثر من غيره من القطاعات، حيث التفتيت على مستوى القطاع الخاص الاستثماري والقطاع الخاص التقليدي بحيث أن الطبقة العاملة لم تعد متجانسة تجانسها السابق.

 ـ الخوف من خضوع الطبقة العاملة اليوم لاستغلال مركب ليس فقط من قبل الرأسمالية المحلية بل أيضاً من قبل الرأسمالية العالمية بعد تعديل قانون الاستثمار رقم /10/ الأخير الذي أعطى للمستثمرين الأجانب حق إقامة المشروعات الاستثمارية وتملك العقارات اللازمة لهذه العملية.

 ـ إعادة توزيع الدخل الوطني تم لصالح الملكية على حساب العمل وليس فقط صالح رأس المال المحلي ولكن لصالح الرأس المال العالمي أيضاً نتيجة للسياسات الانفتاحية التي يطالب بها البعض ومن هنا أصبح للعمل حصة متدنية من الدخل الوطني حيث أن الأجر لم يعد سوى جزء من الدخل الذي يمكن أن يحصل عليه العامل أي أن الأجر لم يعد كافياً لضمان معيشة العامل وعلى العامل أن يتوجه إلى أعمال مختلفة النوعية والطبيعة من أجل استكمال الدخل الذي يستطيع أن يعيش منه.

 ـ تشويه وعي الطبقة العاملة وأقدم هنا بعض المظاهر التي استرعت انتباهي حول هذه القضية أوجزها ـ الموقف من العمل والعمل المنتج بصفة خاصة حيث أصبح متدنياً في سلم القيم حيث لم يعد الدخل مقابل العمل. ولم يعد الدخل بمدى إنتاجية العمل وهنا نلاحظ تدهور وانهيار قيمة العمل وكذلك انخفضت لا قيمة العمل فقط بل قيمة العلم أيضاً في سلم القيم الاجتماعية.. وكذلك أسلوب الحل الفردي لمشاكل العمل وتشجيع هذا المنحى لدى الطبقة العاملة مما أورثها فكرة أن الحل الفردي أفضل من الحل الجماعي وهذا السلوك هو نتيجة لفشل التنظيمات المتعاقبة والأحزاب السياسية التي ابتعدت بشكل مباشر عن النضال لصالح هذه الطبقات مما أدى إلى تراجع نفوذ الأحزاب السياسية بين صفوف الطبقة العاملة والتأثير عليها نتيجة تحول هذه الأحزاب ببرامجها إلى مواقع الاشتراكية الديمقراطية التي تناور على حساب الطبقة العاملة من اجل تحقيق الامتيازات والمكاسب لها وليس للطبقة العاملة.

 هذه بعض السمات التي عرضتها سريعاً والتي أرجو أن تأخذ حيزاً هاماً في النقاش في ملف الطبقة العاملة السورية وآفاق تطورها اللاحق.

 إن فتح هذا الملف ضروري اليوم. أين نجحنا وأين أخفقنا وكيف يمكن أن ننظر إلى مستقبل تطور الطبقة العاملة المرتبطة بتطور الوطن؟