ملاحظات حول مشروع قانون تثبيت العاملين
لم توفر الحكومة، السابقة أو الحالية أية مناسبة، إلا وتطلق من خلالها وعوداً كثيرة بشأن تثبيت العمال المؤقتين وعمال العقود السنوية، وآمال كثيرة تعلق به العمال لكن دون جدوى.!
وكانت تلك الوعود عبارة عن فقاعات لامتصاص موجة الغضب والاحتقان لدى العمال بسبب تسويف الحكومة ومماطلتها في هذا الموضوع.
حقّ وليس مِنّة
لقد لجأت الحكومة، وعبر بعض وسائل الإعلام، الخاصة منها والمحسوبة على الحكومة، على تناول هذا الموضوع، ولكن حقيقة تقاريرها كانت عبارة عن طرح لوجهة نظر الحكومة في مسألة تثبيت العمال، لا لطرح وجهة نظر العمال، ولا طرحاً للمشكلات التي يعانونها، وفي النهاية تظهر تلك الوسائل الإعلامية بأن الحكومة مغلوبة على أمرها، ونحن نحملها أكثر من طاقاتها، وبالتالي علينا عَذرِها والصبر عليها حتى تتحنن على العمال وتعطيهم حقوقهم من تلقاء نفسها، وكأنها مِنّة من الحكومة على العمال، وليس حقاً من حقوقهم؟.
تمييز وتقسيم غير مبرر!
خرج منذ فترة وجيزة على وسائل الإعلام مشروع قانون لدى الحكومة حول تثبيت العمال، وكان من بنود مشروع القانون أن تطبيقه سيكون على مراحل تدريجية، تبدأ بتثبيت عقود ذوي الشهداء والمتعاقدين بعقود سنوية وفق برنامج تشغيل الخريجين الشباب...
تمَّ تقسيم تطبيق المشروع إلى عدة مراحل غير مفهومة الغاية منه، فمع احترامنا وتقديرنا للتضحيات التي قدمها الشهداء، ومن واجب الدولة رعاية أسرهم وتأمين حياة كريمة لهم، ولكن هذا ليس مبرراً لتجزئة المشكلة وحلها على عدة مراحل، فهذه المشكلة يعاني منها عشرات الآلاف من العمال، وبالتالي حلها هو حل واحد متكامل، ولا حاجة لاختراع أية أسس يتم من خلالها التمييز بين العمال، مهما كانت الدوافع المبررات.
فالعمال جميعهم لديهم عائلات ومستقبل يجب أن يؤمنوا عليه، وعلى الحكومة أن توفر فرص عمل دائمة لهم، تحميهم من الفاقة والجوع الذي يهدد المجتمع بأسره، وخصوصاً في هذه الظروف التي تمر بها البلاد والتي تهدد الجميع، وليس على فئة أو شريحة دون أخرى.
عدا على أن هناك العديد من العمال ممن فقدوا معيلهم بسبب الحرب، فقداً أو خطفاً أو اعتقالاً، فهؤلاء ألا يجب أن يعاملوا معاملة أسر الشهداء التي فقدت معيلها أيضاً؟.
شروط تثبيت العاملين
اشترط مشروع القانون أن التثبيت يشمل العمال الذين مضى على عملهم أكثر من سنة واحدة على الأقل.
السؤال هنا: ماذا سيكون مصير العمال الذين لن تنطبق عليهم هذه الشروط؟.
هل سيتم الاستغناء عنهم ورميهم في الشارع؟ كما حصل مع العديد من العمال أثناء تطبيق المرسوم التشريعي 62 عام 2011، الذي قضى حينها بتثبيت العمال الذي مضى على استخدامهم سنتين وما فوق فقط!.
أم أنهم سيبقون على رأس عملهم كعمال مؤقتين محرومين من حقوقهم، وستبرز مشكلة تثبيتهم أيضاً بعد سنة أو سنتين، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول من المشكلة مرة أخرى!.
لماذا استثناء العمال الموسميين؟
لماذا استثنت الحكومة العمال الموسميين من مشروعها؟ فهؤلاء أيضاً عمالها ولديهم المشكلة نفسها، وربما أعقد أيضاً، ومشاكلهم معلقة تنتظر الحل منذ سنين، وأغلبهم أمضى ليس سنة واحدة على رأس عمله، بل سنين عديدة دون أن يحصل على حقه في الحصول على وظيفة دائمة، ودون أن يكون مسجلاً في التأمينات الاجتماعية، مع العلم أن هؤلاء موجودين في أماكن العمل الإنتاجية، وبالتالي معرضون لإصابات العمل مثل غيرهم، وحمايتهم من إصابات العجز والمرض تعد من أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أي عامل.
لقد اكتفت الدولة بتحويل عقود البعض منهم، وتحت ضغط العمال وإضرابهم، إلى عقود سنوية، كعمال شركة إسمنت طرطوس، وبالطبع هؤلاء لن يشملهم التثبيت حسب مشروع قانون الحكومة اليوم، بسبب عدم مضي سنة على تحويل عقودهم إلى عقود سنوية.
ترحيل المشكلة والحقوق
إنَّ الحكومة لا تقوم في هذه الحالة بحل مشكلة العمال، بل ترحيلها إلى أجل غير مسمى، حتى تتراكم وتتعقد لتقف بعدها الحكومة وتقول أنها عاجزة عن حلها.!
إذا كانت هذه الحكومة، حكومة «عمال وفلاحين» كما جرى التوصيف لها!، فلماذا لا تقوم بحل مشاكل العمال حلاً جذرياً ومتكاملاً، وإعطائهم حقوقهم، أم أن التصريحات الحكومية هي مجرد دعاية لمنتج انتهت صلاحيته!.
فالتصريحات الحكومية وقراراتها عودتنا دائماً أن يلفها الكثير من التناقض، فبينما تدعي الحكومة نقصاً كبيراً في الكوادر نتيجة الأزمة، وحيث تتشدد في الموافقة على الاستقالات والإجازات طويلة الأمد، تقوم بإغلاق أبوابها بوجه المجتمع، وتضع المزيد من العراقيل في وجه تثبيت عمالها!؟.