أزمة القطاع الزراعي في سورية وتعديلات وزارة الزراعة
■ المساحات الكبيرة من الأراضي تعطى لمن لا يزرع
عمليات إنتاج وتسويق المحاصيل عرضة لنهب التجار
■ 43% من سكان البلد يعملون بالزراعة ويعيشون منها
■ من لا يستطيع الحصول على ترخيص يبيع محصوله لتجار السوق السوداء بنصف السعر...
■ التجار يبيعون البذار ويتلاعبون بالسعر وينعشون السوق السوداء
■ وزارة الزراعة تخفض حصة الدونم من بذار الشوندر السكري
■ عمليات تلاعب وخلط في نوعيات البذار وأكياسها
■ السكر الوطني لايستطيع منافسة السكر المستورد
مازالت التساؤلات مثارة حول إعلان وزارة الزراعة عن إعدادها لإعادة عملية الهيكلية الإدارية في المؤسسات التابعة للوزارة.
ومحور التساؤلات يرتبط ارتباطاً مباشراً بالواقع الزراعي الذي يعيشه الفلاح السوري في ضوء القوانين والنواظم الإدارية السابقة، والتي انعكست نتائجها سلباً على كافة الزراعات والمحاصيل السورية مع تصاعد في أزمة كيفية الإنتاج والتسويق.
وقد تضمنت التعديلات الإدارية الجديدة في وزارة الزراعة، إعادة النظر في هياكل المؤسسات ودمج عدد من المديريات وإلغاء مديرية الإنشاءات الهندسية وإلغاء مديرية الغراس المثمرة، ودمج مديرية المحاصيل الزراعية والتجارة الخارجية نظراً لتماثل المهام في كلا المديريتين، إضافة إلى عمليات التعديلات التي طالت مؤسسة الأعلاف والدواجن ومؤسسة الأسماك.
وقد تم إحداث بعض المديريات الجديدة كمديرية التعاون الدولي ومديرية مشروع إحياء المراعي وإقامة محميات طبيعية في بعض المناطق السورية، ويتم الآن تعديل عدد من القوانين المتصلة بحماية أراضي البادية، والقوانين المنظمة للصيد، وقانون إحياء الحياة البحرية.
إلا أن كثيراً من القوانين التي عدلت من قبل وزارة الزراعة، لم يأت أثرها السلبي على الواقع المعيشي للفلاح السوري من عدم كمالها، أو وجود لبس فيها، أو عدم قراءتها للواقع الزراعي قراءة صحيحة فحسب، وإنما عانى الفلاح مشكلات جمة نتجت بالدرجة الأولى من سوء تطبيق هذه القوانين، وفسحها مجالاً واسعاً لعلميات النهب والتلاعب والفساد التي يمارسها التجار ولاسيما المرتبطة بعملية تسويق المنتوجات الزراعية مما يجعل الفلاح أول الخاسرين وأخرهم في هذه العملية، والمشكلة التي تبدأ بأهم المنتوجات الزراعية كالقطن والشوندر السكري والقمح وتنتهي بقطاع الزراعة ككل،وهو القطاع الذي يؤمن دخلاً لـ (43%) من القوى العاملة في سورية، والتي تعمل في الزراعة، وتعيش من مزاولتها.
زراعة القطن
في زراعة القطن مثلاً، لم يسمح لعدد كبير من الفلاحين، نتيجة للروتين، و التجاوزات الإدارية، أن يعطوا تراخيص أو أن يتموا أعمال التراخيص منذ بداية العام، مما دفعهم لزراعة محاصيلهم دون ثبوتيات إدارية، بينما حصل كثير من التجار الذين لايمتهنون الزراعة، تراخيص وهمية، أي على الورق فحسب، تيسر لهم التطفل على الفلاح لحساب تجارتهم وأسواقهم السوداء، فيما يخسر بعض الفلاحين أكثر من نصف قيمة منتوجهم عند بيعه لعدم حصولهم على الترخيص، فالفلاح الذي لا يملك ترخيصاً يبيع الكيلو غرام الواحد من القطن بسعر (14.75) ل.س بينما يبيع من يملك ترخيصاً ثمن الكيلو غرام بسعر (30.75) ل.س، والفلاح بهذه الحالة مجبر على بيع قطنه لمن يملك ترخيصاً، ويتعرض لابتزازات التجار الذين يشترون كميات كبيرة من الأقطان بسعر يتراوح بين (20 ـ 25) ل.س للكيلو غرام الواحد، ورغم أن المشتري الوحيد لمحصول القطن هو مؤسسة حلج القطن، وفقاً للقوانين السورية، إلا أن أرباح عملية البيع والتسويق، تدخل في جيوب عدد قليل من التجار الذين يسيطرون على هذه العملية على حساب عرق الفلاح ولقمة عيشه.
أما بشأن التعديلات التي تطرحها وزارة الزراعة، فهي تقضي بمعاقبة الفلاحين الذين زرعوا دون تراخيص وحبسهم وتغريمهم مبلغاً يتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف ليرة سورية، وهذا لن يحل المشكلة، إذا لم تسأل الوزارة نفسها عن كيفية منح هذه التراخيص التي لا ينالها سوى من ليس له علاقة لا بالزراعة، ولا بالتجارة، بقدر ماله علاقة بالنهب والاحتيال.
والأزمات الزراعية الخانقة التي تعيشها سورية لا تتصل بمحصول دون غيره، ولا بمنطقة زراعية دون غيرها، وتمتد حبالها لتشمل نوعية البذار في المؤسسات الزراعية، وأزمة المياه التي تعيشها منطقتنا، وهي تتعلق بمحاصيل استراتيجية وتصديرية لا يمكن العبث فيها، دون أن يؤثر ذلك مباشرة على الواقع المعيشي للفلاح وعلى الاقتصاد الوطني.
فالقطن الذي اتخذناه مثالآً، هو محصول تصديري يأتي في المرتية الثانية بعد النفط في تأمين الدخل الوطني وهو أيضاً محصول زراعي يوفر المادة الخام لصناعات الغزل والنسيج والزيوت، ويعمل في زراعته وصناعته وتجارته نحو مليون مواطن سوري، رغم أن المساحات المزروعة من القطن تنخفض باستمرار في ظل العجز المائي الذي تعاني منه سورية والذي يقارب مليار متر مكعب سنوياً، وفي ظل كارثة زيزون التي أودت بمساحات هائلة من الأراضي الزراعية في سهل الغاب، والتي كانت زراعة القطن تشكل النسبة الأكبر فيها.
أسواق سوداء للسكر الأبيض
الشوندر أيضاً، محصول استراتيجي هام في قطاع الزراعة السوري، فهو يأتي في الدرجة الثالثة بعد محصولي القمح والقطن من حيث أهميته، وتسمح الوزارة بزراعة هذا المحصول بنسب متفاوتة تتراوح بين واحد في المائة من مساحة الأراضي المرخصة، وخمسة عشر بالمئة.
وعمليات التلاعب والتحايل على القوانين، المتصلة بزراعة هذه المحاصيل، تأتي من نسب التوزيع المذكورة وكيفية تمديدها، حيث يتم توزيع حصة كل محافظة، وإعطاء المساحات الأكبر لمن لا يزرع، أو لمن لايرغب في زراعة هذا المحصول.
فهناك محافظات يخصص لها كميات كبيرة من هذه البذور، وهي لا تزرع هذا المحصول، وذلك عن طريق التجار إياهم الذين يبيعون البذار ويتلاعبون بأسعاره وينقلونه إلى محافظات أخرى تحتاجها.
وما أسهم مؤخراً في إنعاش السوق السوداء لبذور الشوندر، هو تخفيض وزارة الزراعة لحصة الدونم الواحد المزروع بالشوندر السكري، إذ كانت حصته سابقاً (1.5) كغ بينما أصبحت الآن 1.4 كغ للدونم الواحد، مما حقق ضغطاً فعليا على الفلاحين، وربحاً أكثر لتجار السوق السوداء، فسعر الكيلو غرام الواحد من بذور الشوندر في مؤسسة إكثار البذار يبلغ (275) ل.س بينما يصل في السوق السوداء إلى 800 ل.س وهذا ما يرتب مبالغ إضافية طائلة لا يستطيع الفلاح دفعها فيما لو أراد زراعة هذا المحصول، هذا إذا ما أغفلنا عن عمليات التلاعب والخلط في أنواع البذار والتي يقوم بها التجار، كتبديل الأكياس التي توضع فيها البذار بأكياس أخرى تحمل أسماء ونوعيات مخالفة للأسماء والنوعيات الأصلية، مما جعل زراعة الشوندر السكري زراعة مهددة بالاضمحلال إذا ما نظرنا إليها في ظل هذا الواقع، ولاسيما أن مصانع إنتاج السكر في سورية والتي تصل فيها تكلفة إنتاج الكيلو غرام الواحد من السكر مبلغ 40 ل.س لن تستطيع منافسة السكر المستورد الذي يباع الكيلو الواحد منه بنصف المبلغ السابق.