بصراحة القطاع العام الصناعي... إلى أين؟

على الرغم من الاعتراف العلني بالدور الكبير الذي لعبه القطاع العام الصناعي على مر العقود في النهوض بالإنتاج الوطني، فإن التصريحات الأخيرة التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء حول القطاع العام كانت مخيبة للآمال، حيث قسَّم العطري القطاع العام  إلى ثلاث فئات: «فئة رابحة تقدم لها الحكومة الدعم والمؤازرة، وفئة ثانية تحتاج إلى عملية تصحيح، أما الفئة الثالثة فهي فئة حسبنا الله ونعم الوكيل».

ولا ندري في أي تصنيف وضع رئيس الحكومة القطاع العام الصناعي، وإن كنا نتمنى أن لا يعتبره ضمن فئة «حسبنا الله ونعم الوكيل»، لأن الحالة المرضية التي وصل إليها هذا القطاع سببها السياسات التي اعتمدتها حكومته نفسها، وهي السياسات التي تحولت تدريجياً إلى مرض عضال أنهك اقتصادنا الوطني.

وحتى اللحظة لم تقر الحكومة بشكل رسمي بالمشاكل والمعوقات التي أدت إلى تدهور معظم شركات القطاع العام الصناعي، كما أنها لم تحاول دعم الجهود الجبارة التي بذلتها بعض تلك الشركات للتخفيف من خسائرها، وكمثال على تلك الجهود، نجحت إحدى الشركات بتخفيض خسائرها من /14/ مليار ليرة سورية في عام 2007 إلى /9/ مليارات ليرة سورية في عام 2008.

لكن الذي لا يفهمه العقل أو يتقبله أي عاقل اعتماد الحكومة مبدأ التقليل من عدد العاملين في هذا القطاع الحيوي على اعتبار ذلك إحدى أهم الخطى لإيقاف الخسائر، وهي في الوقت نفسه تطالب تلك الشركات بزيادة الإنتاج وتحسين مواصفاته بما يرقى للمنافسة. وقد أكدت المجموعة الإحصائية للعام 2008 أن عدد العاملين في القطاع العام الصناعي قد تناقص بين عامي 2006 ـ 2007 (أي بعد مرور عامين على البدء بالخطة الخمسية العاشرة) بنحو /1408/ عمال، هذا طبعاً دون حساب الأعداد الكبيرة التي تم تحويلها من القطاعات الإنتاجية إلى الدوائر والوزارات الأخرى، والسؤال هنا: هل الهدف من شعار إصلاح القطاع العام الصناعي الخلاص من عمالها؟ أم بإيجاد الحلول المناسبة لإطلاقه من جديد؟

لم يقدم المسؤولون على الاقتصاد السوري حتى الآن إجابة شافية عن الأسئلة والمطالبات التي جاءت من أجل بيان وإيضاح ما تفكر به الحكومة بخصوص القطاع العام الصناعي، إذ بقيت جميع الحلول مؤقتة، وبعضها دون المستوى المأمول، والبعض الآخر ضمن التخمينات المعتادة التي رسم لها وخطط لها الفريق الاقتصادي بعد أن وضع كل العصي أمام  العجلات لإيقاف القطاع العام الصناعي عن الاستمرار في الإنتاج.

 

إن ما يواجهه هذا القطاع من منافسة شديدة مع القطاع الخاص لم تكن موجودة سابقاً، ظهر نتيجة السياسات والخطط التي وضعتها الحكومة وذهبت معظمها لمصلحة قوى المال التي عملت كل شيء من أجل تمرير مشاريعها على حساب القطاع العام الصناعي، وبمساعدة مراكز الفساد الكبرى التي باعت عن طريق إداراتها هذا القطاع بأبخس الأثمان، وهذا يتطلب وبأسرع وقت ممكن إعداد مشروع قانون إصلاح القطاع العام الصناعي الذي كان وسيبقى العمود الفقري للاقتصاد الوطني، ووضع حد لكل المهازل التي ارتكبت هنا وهناك بقصد أو بغير قصد، ومحاسبة كل المقصرين والمسؤولين عن الانهيار والتدهور الذي وصل إليه هذا القطاع، وإعادة الروح لكل من دافع وما يزال يدافع عنه قولاً وفعلاً، لأن في ذلك الضمانة الحقيقية لكرامة الوطن والمواطن.