المشاريع الصغيرة في الأزمة.. آخر القلاع
منذ مطلع الأزمة عانى أصحاب المهن السوريون من تراجع الأسواق وتدني مستوى الدخل الوسطي للفرد، وبالتالي انخفاض القدرة الشرائية.
ورغم أن البعض ممن نسميهم مجازاً الأوفر حظاً قد تمكنوا من الاحتفاظ بمهنتهم ومصدر دخلهم على امتداد هذه السنوات العجاف، إلا أنه من الجلي أن الأزمة قد قلصت إيرادات عملهم، وفاقمت خسائرهم ما جعلهم يضطرون إلى ساعات عمل أطول، وفي ظل ظروف أقسى لتعويض العجز الحاصل إلى الحد الذي يسمح بتلبية متطلبات أسرهم الأساسية ولو بحدودها الدنيا.
مواسم للعمل وأخرى للانتظار
العمل في الحلويات الشرقية مواسم كما يوضح أبو سليمان، فالطلب على منتجات المحل يزداد أثناء الأعياد وفي فترات صدور نتائج الشهادتين الإعدادية والثانوية، وبشكل عام يشهد الصيف إقبالاً أكبر بكثير من فصل الشتاء حيث تندر المناسبات وترتكز مصاريف الأسر على متطلبات المدارس والتدفئة وما شابه، ويصبح الطلب على «الكماليات» في حدوده الدنيا مقابل «الأساسيات» في هذا الموسم القاسي، ولذلك فإن الصيف أخف وطأة على العاملين في هذا المجال رغم أن له عيوبه أيضاً، حيث يشهد ارتفاع معدلات انقطاع الكهرباء وسرعة فساد المنتجات بسبب الطقس الحار، خصوصاً تلك التي تحتوي على الحليب ومشتقاته.
ندرة وغلاء
أما بالنسبة لأبي محمد فقد انعكست الأزمة على مهنته كميكانيكي سيارات، حيث باتت قطع التبديل التي يحتاج إليها نادرة غالباً وغالية الثمن، ما يضطره إلى البحث عنها في المدن المجاورة وتحمل نفقات أكبر ووقت ومجهود إضافيين لأداء عمله، أضف إلى ذلك انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وبالتالي الحرمان من الإضاءة الجيدة والتهوية الضرورية للحماية من أضرار الروائح المنبعثة من المحروقات والزيوت، ويضيف أبو محمد «رغم انخفاض دخلنا في الأزمة، وهو ما لا يخفى على أحد، فإن الضرائب ارتفعت على ممارسي المهنة في الآونة الأخيرة».
«مستورة»
بهذه الكلمة يختصر غسان مهنته كخياط يعمل في إصلاح الملابس، وعن أثر الأزمة على عمله يقول، «تغيرت طبيعة عملي بعد الحرب، ففي السابق كنت أكسب قوتي من تفصيل الثياب على اختلافها، وكان الأجر يفي بمعظم احتياجاتنا الأساسية، ولكن في ظل الأزمة أصبح الإقبال على التفصيل محدوداً للغاية، في حين برزت فكرة إصلاح الثياب القديمة لإطالة عمرها، وتخفيض النفقات ولاسيما بالنسبة للأسر كبيرة العدد».
قبل.. وبعد
ويروي علاء حاله كعامل في ورشة كهرباء، فقبيل الأزمة بسنوات شهدت البلاد ازدهار الورشات والمعامل الصغيرة التي تحتاج إلى لوحات كهربائية، وهو ما اعتاد على صناعته لأكثر من عشر سنوات، لكن معظم هذه المعامل دمرت أو أوقفت بفعل الحرب، ما أسهم إلى حد كبير في تقليص حجم السوق، واضطرت الورشة إلى الاكتفاء بإنتاج روافع الجهد وإصلاح الكهربائيات المعطلة، وعن طبيعة عمله يوضح علاء: أنه يتقاضى أجراً على القطعة ويعمل كل يوم صباحاً ومساءً للوفاء بالتزاماته وتأمين دخل يتراوح ما بين ثلاثين إلى أربعين ألف ليرة شهرياً.
الحصن الأخير
رغم ما تكبدته من خسائر وانكسارات كلها، تبقى المشاريع والورشات الصغيرة هي القشة الوحيدة التي يتمسك بها كثيرون، والحصن الأخير بالنسبة لآلاف الأسر السورية التي تعتاش على ما تدره يوماً بيوم، تحت وطأة ظروف جعلت الادخار أو حتى مجرد التفكير في ما يخبئه المستقبل أمراً بعيداً عن أنظار ذوي الدخل المحدود.