الطبقة العاملة السورية جزء من الحركة الشعبية
لعبت الطبقة العاملة دوراً مهماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في التاريخ الوطني السوري المعاصر، تجلى في مشاركتها الفاعلة في النضال الوطني الذي خاضه شعبنا السوري في مواجهة الاحتلال الفرنسي، من خلال الإضرابات والمظاهرات الواسعة التي كانت تشارك فيها الطبقة العاملة السورية، رافعة الشعارات الوطنية المعبرة عن ضرورة إنجاز الاستقلال الوطني الكامل عن المستعمر،
وهي بهذا الفعل النضالي مثلت الضمير والموقف الوطني للشعب السوري الذي لا يقبل احتلالاً، ولا يقبل ذلاً، ولا يستطيع إلا أن يعيش حراً كريماً، والموقف الوطني هذا لم يأت من فراغ أو وليد حالة عفوية عابرة، وإنما استند إلى إرث نضالي طويل تمثل بمقاومة شعبنا للاحتلال العثماني، والتي عبرت عنها حركات العامة، ومنها العامة الدمشقية في ثوراتها المتواصلة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكانت بقيادة الجمعيات الحرفية التي انتظم فيها الحرفيون والعمال معاً في نضالهم ضد العثمانيين، حيث كان دخول الصناعات الحديثة (المنيفاكتورات والمعامل) في بدايته.
إذاً، أخد الوعي العمالي الطبقي يتشكل مع بدايات دخول الصناعات الحديثة، وإصدار الحكومة العثمانية لأول قانون عمل ينظم العلاقة بين أرباب العمل والعمال، وهو قانون الشغل العثماني الذي انحاز بالكامل إلى جانب المستثمرين الأجانب وأرباب العمل المحليين، إيذاناً لبداية دخول علاقات الإنتاج الرأسمالية التي أوضحت للعمال، وعبر التجربة، أن الرأسمالية هي العدو اللدود لمصالح الطبقة العاملة وحقوقها، وبالتالي لابد من النضال ضد كل من يمثل الرأسماليين حتى لو كانوا من أبناء جلدتنا، لأن الاستغلال البشع ليس له دين أو وطن.
ما نود أن نقوله من خلال استحضارنا لهذا التاريخ المشرف الذي صنعه العمال السوريون بإرادتهم وعزيمتهم وبروحهم النضالية العالية التي لم يكسرها إخفاق هنا أو انتكاسه هناك، إن كل المحاولات التي جرت في العقود الخمسة من أجل تحييد الطبقة العاملة عن لعب دورها المناط بها، هذا الدور المتجذر عميقاً في وجدانها، تحييدها عن أن يكون لها دور فاعل في تقرير مصير البلاد والعباد، بالرغم من الرشاوى التي قدمت لها سابقاً، والتي كان المراد منها إبقاء هذه الطبقة في الجيب واستخدامها عند الضرورة التي تقتضيها مصالح من يريد ذلك، وليس ما تقتضيه مصالحها الوطنية والطبقية، فقد تعرضت مصالح هذه الطبقة للكثير من الهجوم السافر والمبطن عبر السنوات الفائتة، من خلال السياسات الاقتصادية الليبرالية التي حفرت أخاديد عميقة في حياة الشعب السوري واقتصاده الوطني، وأنتجت من الأمراض والأزمات التي ستبقى آثارها التدميرية لفترة طويلة لكي يتم التخلص منها، وهذا يحتاج إلى إرادة وفعل حقيقيين يكون للطبقة العاملة السورية فيهما دور أساسي إذا ما توفرت لها الشروط الضرورية والكافية لأن تستعيد هذا الدور الذي لعبته تاريخياً، والتي ستلعبه في هذه الظروف الاستثنائية والمعقدة والمركبة، حيث الصراع على أشده في الشارع وخارج الشارع، من أجل مستقبل سورية، لكي تكون دولة مدنية ديمقراطية مقاومة للمشاريع الامبريالية ـ الصهيونية وحلفائهم في الداخل، ممن نهبوا مقدّرات شعبنا، وممن عاثوا في الأرض فساداً.
لقد أوضحت مجريات الأحداث الدائرة الآن عمق الأزمة الاقتصادية الاجتماعية السياسية، هذه الأحداث التي عمقت الفرز الحقيقي وستعمقه أكثر في المجتمع وتجعله أكثر وضوحاً وجلاءً، بين من يدعم الحركة الشعبية ويقف بين صفوفها، وبين من لا يرى في هذا الحراك إلا وجهاً واحداً متآمراً لابد من مواجهته والقضاء عليه قضاءً مبرماً، لا قيامة له بعدها، وهذا الاتجاه يحاول زج الحركة العمالية في مواجهة الحراك الشعبي السلمي ذي المطالب المشروعة وهي مطالب الطبقة العاملة نفسها أو تكاد، مثل محاربة الفساد والنهب وتعزيز الوحدة الوطنية ورفض الطائفية، وأن يكون اقتصادنا الوطني اقتصاداً قوياً يلبي حاجات الشعب السوري في التنمية الحقيقية التي تمكنه من المقاومة وبناء مستقبل آمن للأجيال القادمة، وبهذا تكون الطبقة العاملة جزءاً لا يتجزأ من هذا الحراك الشعبي تتأثر به وتؤثر فيه، ولن يجدي نفعاً كل التجييش والتحشيد الجاري على قدم وساق في مواجهة هذا الحراك الذي هو مستقبل سورية الحقيقي الذي سيفرز من بين صفوفه تلك القوى الوطنية والشريفة التي ستعمل على وضع سورية، أرضاً وشعباً، على سكتها الصحيحة.
إن الطبقة العاملة السورية لن تكون خارج هذا السياق، فهي ستناضل كطبقة من أجل سلامة الوطن ومنعته، وستناضل من أجل حقوقها الاقتصادية والسياسية، والتي في مقدمتها أن تكون حركتها النقابية حركة مستقلة تدافع عن مصالح من تمثلهم، وفي مقدمة تلك المصالح إعادة توزيع الثروة وإعادة توزيع الدخل الوطني لمصلحة أجورها من أجل حياة تليق بها كطبقة منتجة للخيرات المادية الحقيقية التي سُلِبت منها وأصبحت تعيش على الفتات الذي تقدمه لها قوى السوق داخل جهاز الدولة وخارجه.