إعادة الهيكلة بين الدردري وخميس!
في الفترة التي كان عبدالله الدردري يترأس الفريق الاقتصادي، شهدت تلك السنوات نشاطاً محموماً للمراكز المالية الرأسمالية في أوروبا، من أجل تقديم النصائح والدراسات والتوجيهات عبر المساعدات المالية والخبراء.
هدف ذلك هو مساعدة الفريق الاقتصادي على إنجاز مهمة استكمال ما يلزم من أدوات للسير قدماً في تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي، أي إنجاز تطبيق السياسات الليبرالية في جانبها الاقتصادي والاجتماعي، وهذه السياسات لها مهمتان متكاملتان:
إضعاف دور الدولة
أولها إضعاف دور الدولة في الجانب الاجتماعي، من حيث ما تقدمه الدولة من دعم للمواد الأساسية وما تقدمه من دعم لصغار الفلاحين، وإضعاف مساهمة الدولة في دعم المؤسسات التعليمية والصحية وغيرها من أشكال الدعم المقدمة، والتي كان لها دور في تخفيف العبء عن كاهل الفقراء، حيث تقلصت أشكال الدعم بالتدريج إلى أن وصلنا الآن إلى صفر دعم تحت حجة الموارد والأزمة.
إعادة الهيكلة
الجانب الأخر الذي سارت به النصائح، وعملت بها الحكومات السابقة واللاحقة، هو إعادة هيكلة القطاع العام بغرض إضعاف دوره الريادي الذي كان يقوم به اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وإعطاء القطاع الخاص والرأسمال الأجنبي والعربي المساحة الأكبر في الاقتصاد الوطني، حتى وصل الأمر إلى القول أن شركات القطاع العام باتت تشكل عبئاً على موارد الدولة، وعمالها أيضاً، باعتبارهم غير منتجين وأن إنتاجية العامل في هذه الشركات لا تتجاوز الثلاثين دقيقة أو أكثر قليلاً!، وبهذا يكون القطاع العام الصناعي مشروعاً «خاسراً» ولا يمكن أن يلعب الدور المطلوب منه في أن يكون قاطرة النمو، وعوضاً عن ذلك طرح أن السياحة هي قاطرة النمو، ولهذا الأمر سمحت الحكومة في ذلك الوقت لعشرات المشاريع السياحية لشركات أجنية وعربية ومحلية بالاستثمار في الساحل السوري، الذي حرم من ارتياده ملايين الفقراء كون تلك الأماكن أصبحت مكاناً للمليئين فقط.
إصلاحات دردرية!
لقد طرحت في تلك الفترة أيضاً مشاريع إصلاحية عدة في سياق إعادة هيكلة القطاع العام الصناعي، وعلى سبيل المثال أنشئت لجنة الـ 35 واللجنة 117 واللجنة 118 ولكن تلك المحاولات الإصلاحية جميعها باءت بالفشل، وبقيت معظم شركات القطاع العام تعاني من عمليات تخسير، بعد تلك المحاولات كلها كان الحل طرح 40 شركة ومؤسسة على الاستثمار بعد توقفها عن العمل، وتأكيداً على تلك السياسات الإصلاحية صرح الدردري « بأن نجاح أية شركة يتطلب عدم خضوعها لقانون الشركات رقم 2 ولا لقانون العاملين الأساسي ولا لقانون العقود، كخطوة أولى في إصلاح القطاع العام».
وقال أيضاً في لقاء له مع مجلة الاقتصادي «إن المنهج القادم هو خضوع كل شركات القطاع العام لقوانين القطاع الخاص».
تحييد القطاع العام
إذاً قاعدة الانطلاق لإعادة الهيكلة هي: تغيير جذري في طبيعة الدور الذي من الممكن أن يلعبه القطاع العام في تحقيق نسب النمو والتنمية، وبالتالي المقصود هو تحييد القطاع العام عن دوره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، حتى ضمن علاقات الإنتاج السائدة وهي علاقات إنتاج رأسمالية.
والمطلوب من تلك التوجهات بناء اقتصاد هامشي غير إنتاجي وهذا يتلاءم مع السياسات الليبرالية الاقتصادية المتبناة بشكل أساسي في الاقتصاد السوري، حيث لعبت تلك السياسات دوراً أساسياً في تحضير الحطب لانفجار الأزمة، والتي يمكن إعادة إنتاجها ثانيةً إذا ما استمرت السياسات الليبرالية، كونها تلعب الدور المطلوب منها في زيادة نسب الفقر والبطالة والتهميش.
تحضيرات ليبرالية
الآن ماذا يجري من تحضيرات واجراءات تتساوق، إلى حد بعيد، مع تلك القواعد التي انطلق منها الدردري في تسويق السياسات الليبرالية في الاتجاهات كلها، ويمكن تعدادها لتطابقها مع التوجهات السابقة، وهذا يمكن تلمسه في القرارات الصادرة أو المزمع إصدارها:
اقرار قانون التشاركية وهو نقطة الانطلاق في عمليات الخصخصة.
تصنيف الشركات الإنتاجية للقطاع العام الصناعي إلى ثلاث فئات، يجري طرح المتوقفة منها عن العمل بسبب سياسات الحكومة ما قبل الأزمة وحتى الآن للاستثمار مع القطاع الخاص وفق قانون التشاركية، وعددها يقارب الأربعين شركة.
استثناء عمال القطاع الإنشائي من قانون العاملين الأساسي، ولا ندري لأي قانون سيتبعون، قد يكون للأنظمة الخاصة في الشركات المقامة على أساس قانون التشاركية.
محاولة دمج الشركات حيث جرت سابقاً وفشلت تلك المحاولة.
رهن الشركات الإنشائية للقروض المسموح اقتراضها من المصارف الخاصة والعامة بضمان منشآتها.
هذا غيض من فيض مما يُحضر للقطاع العام الصناعي، وهو يبدو تحضيراً للمرحلة القادمة من التغيرات السياسية المرتبطة بالحل السياسي.