العمال ... من المولد بلا حمص!
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

العمال ... من المولد بلا حمص!

شهد الأسبوعان الأخيران اللذان سبقا عطلة عيد الأضحى تكثيفاً عالياً للعمل في الكثير من المهن والصناعات والأسواق التجارية, فنال أرباب الأعمال حصتهم من هذا النشاط، وضاعفوا أرباحهم (أكلوا البيضة والتقشيرة) والحق يقال أن للعمال نصيبهم أيضاً وأي نصيب هذا؟!.

نشطت الكثير من الصناعات والمهن قبل عيد الأضحى كيف لا؟ وهو الذي يعتبر من المواسم الرئيسية التي يعتمد عليها أصحاب العمل لتصريف منتجاتهم بالأسواق المحلية والخارجية, وخاصة تلك المنتجات المتعلقة بخصوصية المناسبة ومستلزماتها, لتنشط بالوقت ذاته حركة الأسواق التجارية، فتبدأ بتمديد ساعات دوامها تصاعدياً وتدريجياً لما بعد منتصف الليل، لتصل لساعات الفجر الأولى في اليومين الأخيرين. 

خديعة الإضافي 

تعد الصناعات المعنية بالمناسبة ومستلزماتها الأنشط خلالها, شمل ذلك المنشآت الكبيرة والصغيرة وحتى المشاغل والورشات, فسارع أصحاب العمل لرفع كمية الإنتاج للحد الأقصى من خلال مجموعة إجراءات، تبدأ بزيادة ساعات العمل مروراً بتكثيف ولا تنتهي باستخدام العمالة المؤقتة والموسمية, ومجمل تلك الإجراءات بدت بظاهرها وكأنها تصب في مصلحة العمال, فساعات عمل إضافية تعني بالضرورة أجوراً إضافية، وتكثيف العمل يعني حوافز إنتاجية، والعمالة الموسمية ستؤمن دخلاً إضافياً لعائلة ما.

ولكن هل هذا صحيح؟ وهل فعلاً استفاد العمال من هذه الإجراءات؟ وهل هي كما ادعي البعض (أيام من ذهب) أم مجرد مضاعفة للتعب؟.

الإضافي المسلوب 24الف شهرياً

لا يلتزم أغلب أصحاب العمل بطريقة حساب ساعات العمل الإضافي بشكل عام، كونهم أساسا قد حددوا دوام العمل بين 10-12 ساعة، وهم بذلك استولوا مسبقاً على أجر ساعات عمل وعلى مدار العام، بناءً على أن أية ساعة عمل فوق الـ 8 ساعات تعتبر إضافياً وأجرها ضعف ساعة العمل، وهذا وفق قوانين العمل.

فلو افترضنا بأن أجر الساعة بشكل وسطي في القطاع الخاص حاليا 200 ليرة، والعامل يشتغل وسطياً 11 ساعة، فهو يعمل 3 ساعات إضافية يفترض أن تحسب مضاعفة (الساعة بساعتين) لكنها تحسب ساعة عمل عادية، وهذا يعني أن صاحب العمل يستولي على 600 ليرة يومياً، أي 3600 أسبوعياً، وهذا يعني 15 ألف شهرياً، يضاف إليها ساعات عمل يوم السبت 2200 أسبوعياً و8800 شهرياً، ليصبح مجموع المبلغ  المسلوب بحدود 24 ألف شهرياً (من راس الكوم) استحوذ عليها رب العمل بشكل دائم ومستمر وعلى مدار العام، ويأتي اعترافه المنقوص بالإضافي الطارئ خلال المواسم مناورة وتغطية لممارساته خلال العام، ويترجم هذا الاعتراف (الاضطراري) بعدة ممارسات تتوضح من خلال حساب أجر ساعات الإضافي الموسمية، فالبعض يحسبها كساعة عمل عادية، والبعض الآخر الساعة بساعة ونصف، وهم الأغلبية، في حين يلتزم القليل منهم بحساب الساعة بساعتين.

(العيدية) هروب من الأجر الإضافي

تستنفر أغلب الصناعات النسيجية والجلدية والغذائية قبل عيد الأضحى بمدة معينة، ويتحمل العمال في هذه الصناعات تبعات هذا الاستنفار، فتزيد ساعات العمل وكثافته بشكل عال دون أن يكون المردود المادي مساوياً لذلك الجهد الإضافي، فيما يقع نوع آخر من العمالة في استغلال مضاعف، ونقصد هنا العمال الباعة الذين يعملون لساعات متأخرة من الليل طوال أسبوع العيد بشكل عام، وفي اليوميين الأخيرين بشكل خاص، وتذهب ساعات العمل الطويلة المرافقة لضغط الزبائن على الشراء لجيب رب العمل، حيث يختصر أغلب أرباب العمل تعويض الإضافي على مبالغ زهيدة يعطونها لعمالهم فوق أجرهم على صيغة (العيدية ) والتي لا تتجاوز في أحسن الأحوال 7 ألاف ليرة مقابل 35 ساعة إضافية، وبحسبة بسيطة تكون أجرة الساعة لا تتجاوز 200 ليرة، وهي أجر ساعة العمل العادية، مما يسقط صفة الإضافي عن تلك الساعات الطويلة كلها من السهر والتعب.

عمالنا ليسوا بخير

يبقى عمال القطاع الخاص غير المنظم تحت رحمة أرباب العمل وقانون السوق الذي لا يرحم, فلا قانون عمل يحميهم وينظم علاقتهم مع أرباب العمل، ولا تأمينات اجتماعية تحميهم من إصابات العمل والعجز والشيخوخة, مما يسهل على من يشغلهم الاستمرار في استغلال نقاط الضعف والخلل تلك, ليضاعف تكديس ما أمكنه من الأرباح على حساب هؤلاء الذين ليس بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم بظهورهم المكشوفة وحاجتهم للعمل وللعيش الكريم.

وتمر الأعوام وعمالنا ليسوا بخير!.