القطاع العام قادر على حل الأزمات.. والقطاع الخاص الأكثر قدرة على خلقها!
أثبت القطاع العام أنه أكثر القطاعات قدرة على العمل في ظروف مختلفة، استثنائية وطبيعية، وقادر على تطبيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكلية بمنتهى الدقة، وقد استطاع هذا القطاع أن يحقق نجاحات باهرة وإنجازات كبيرة في أحلك الظروف، ومع ذلك تعرض إلى الغبن ونكران الجميل والتشكيك في مقدرته على الاستمرار.
المثير للريبة اليوم، أن بعض الذين يطالبون بتصفية القطاع العام هم غالباً ذاتهم الذين استفادوا منه تاريخياً بطرق غير شرعية، وهؤلاء يدركون أهميته، لكنهم يجانبون الحقائق بعد أن قرروا الإبحار مع التيار الذي فرضته التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية في العقد الأخير من القرن العشرين.
في كل دول العالم يوجد قطاع عام يساهم في العمل الاقتصادي والتنموي ويشكل الذراع التدخلي للدولة، لكن المستغرب أن طروحات عدم الجدوى من تلازم وجود القطاعين العام والخاص وجدت لها آذاناً مصغية في سورية فقط، وكأن المسألة إما قطاع عام أو قطاع خاص.
من العبث التساؤل إن كان القطاع العام مازال صالحاً! لأن التجربة أكدت استمرارية صلاحية القطاع العام وضرورته القصوى، ولا يمكن لدولة، أي دولة الحفاظ على سيادتها واستقرارها دون قطاع عام رابح بالتأكيد. ويبدو القطاع العام الآن على مفترق طرق، فإما أن يستمر أو يحال إلى التصفية البطيئة والمبرمجة كما يريد البعض. لقد شكلت أكثر من لجنة لدراسة أوضاع القطاع العام وتقديم الحلول الناجعة لإنقاذه من الأزمة الخانقة التي تعصف ببعض مفاصله وشركاته، وصدر أكثر من قرار يهدف إلى تقويته وصونه وبث الروح فيه من جديد، مثل فصل الإدارة عن الملكية، وتعيين مجالس إدارات خارج المؤسسات، وآخرها إعطاء جزء من الأرباح إلى الشركات، لكن اللافت أن كل الجهود المرتقبة والطموحات ظلت في إطار الأمنيات المؤجلة فقط، ولم ترتق إلى مصاف الإجراء الفعلي والتنفيذي، ما أثار أجواء التشاؤم والشكوك من جدية الجهات الحكومية تجاه إصلاح واقع القطاع العام. إن إصلاح القطاع العام- في اعتقادنا- أمر غير قابل للجدل، وهو ليس محط نقاش مادام وجوده ضرورياً ويحظى بالأهمية. ومن الطبيعي جداً أن تعاد الأولوية إليه بعد الفشل الذريع الذي أصاب عدداً من شركات القطاع المشترك والتعاوني، وحالات التردد التي تسم عمل القطاع الخاص. إلا أن إصلاح القطاع العام لا يمر من تحت مظلة القرارات الإدارية والنوايا الطيبة، أو من خلال مقترحات اللجان وحسب، بل يحتاج أيضاً، وهو الأهم، إلى إرادة سياسية تقرر مصيره وتتخذ قرارات جريئة وواضحة تجاهه، فالمسألة تماماً هي أن يكون القطاع العام أو لا يكون..