عمال الخماسية.. من الوجبة المجانية إلى سندويشة الفلافل بقرصين!!
منذ أواسط السبعينات، قامت لجنة مشتركة من منظمة الصحة ومنظمة التغذية العالميتين، بزيارة ميدانية للإطلاع على الواقع الصحي والغذائي لعمال شركات القطاع العام، ومنها الشركة التجارية الصناعية المتحدة (الخماسية)...
ونتيجة لهذه الجولة، وبسبب التأكد التام من الواقع الصحي والخدمي السيئ الذي يعاني منه العاملون في هذه المنشآت، أوصت اللجنة بوجبة غذائية مضادة للتسمم، قوامها بيضتان وزجاجة حليب معقم 12 ليتر يومياً، من المعونات المجانية الواردة من الخارج، ليتم توزيعها بإشراف وزارة الصناعة عن طريق المؤسسة العامة النسيجية.
وبسبب إلحاح المنظمتين، نال العاملون هذا المكتسب، وحصلوا على هذه الوجبة. وكان لهم الحق في تناولها في المعمل، أو اصطحابها إلى المنزل، ففضلوا تناولها مع أولادهم وعائلاتهم.
وكان العامل، بكل مجمع، يحصل شهرياً على طبقين من البيض (60 بيضة)، وعلبة حليب مجفف بدلاً من الحليب السائل المعقم. ولم تمض فترة بسيطة، حتى اختفت علبة الحليب المجفف من الوجبة، واستعيض عنها بزجاجة حليب معقم، ولكن بنصف الكمية المقررة (زجاجة واحدة 12 ليتر لكل يومين من العمل).
وبعد أقل من سنة، اختفت مخصصات البيض، واستمر العمال بالحصول على الحليب، في النصف الثاني من الثمانينات، والسنتين من بداية التسعينات. ثم جرى إلغاء الحليب أيضاً. وهنا أوصت اللجنة المشتركة من منظمة الصحة ومنظمة التغذية العالميتين بالاستعاضة عنه بوجبة إطعام في مطعم مجاني في الشركة، أوبدل نقدي 1.5 دولار، عن كل يوم عمل، ليتمكن العامل من شراء ما يشاء من مطعم الشركة. وتم استحداث المطعم، وطنشت الإدارة، ومن خلفها المؤسسة النسيجية ووزارة الصناعة عن البدل النقدي.
وبسبب المطالبة القانونية التي قامت بها بعض الجهات المختصة بالدفاع عن حقوق العمال، أقر البدل النقدي لوجبة التغذية، بقيمة/16/ ليرة سورية فقط عن كل يوم عمل، أما المصيبة الكبرى فهي ما يحدث في المطعم، الذي يتم طرحه للتعهد عن طريق مزاودة علنية، في كل سنة من النصف الثاني من التسعينات، وحتى اليوم، هذه المزاودة التي يتم الاتفاق عليها سلفاً في غرف الإدارة، على من سوف ترسو. وماهي حصة الإدارة وشعبة المراقبة من إنتاج المطعم (هذه الحصة غير مسجلة طبعاً). فقد أكد لي المتعهد الذي انتهى عقده في بداية شهر أيار من هذا العام، أن الإدارة كانت ستعطي المطعم لأحد أعوانها بضمان لا يزيد عن /13000/ ليرة سورية، أما هو فكان يدفع /35000/ ليرة سورية، بالإضافة إلى /5000/ ليرة سورية تطلبها بوقاحة شعبة المراقبة.
وعندما قال لهم: (حرام عليكم! من أين سأجمع هذه المبالغ؟) قالوا: يمكنك أن تضع في سندويشة الفلافل قرصين بدلاً من ثلاثة أقراص، وتوفر في باقي الأنواع كما تريد، المهم أن تصلنا حصتنا.
ولم يمض وقت طويل، حتى أعلن متعهد المطعم إفلاسه، فأقفل المطعم الذي تم طرحه للمزاودة من جديد. وجرت هذه العملية، ورست على متعهد مستكمل لكافة الشروط الصحية والقانونية، وقد رفع المزاد إلى /29300/ ليرة سورية شهرياً.
وكانت الإدارة تنوي أن تعطيه لأحد أعوانها، بأقل من هذا المبلغ بكثير. فتم وضع العراقيل غير القانونية، أمام استكمال التوقيع على عقد ضمان المطعم، منها أعباء مادية مجهدة، اقترحتها الإدارة، بدون وجه حق، للضغط على الفائز بالمزاد لكي ينسحب، وهو متمسك بحقه القانوني.
وما بين هذا وذاك، يكون عمال الخماسية، عند كتابة هذه الكلمات، قد أنهوا الشهرين بدون مطعم. ومن أراد منهم شراء سندويشة فلافل، فإنه إما سيذل نفسه بالطلب من شعبة المراقبة على الباب الرئيسي، السماح له بالخروج من باب الشركة، إلى المطعم المقابل، لأن الخروج مسموح للبعض، دون البعض الآخر.
أو إنه سيكتم جوعه، وينتظر انقضاء الساعات الثمانية، التي تفصله عن الذهاب إلى منزله. وإذا سمح له بالخروج، وشاء قدره السيئ أن يتعرض لحادث، لا قدر الله، بسبب ازدحام السيرالشديد أمام باب الشركة، وباب مركز انطلاق السيارات (البولمان)، فماذا سيكون مصيره؟! هل سيحصل على إصابة عمل؟ أم سوف يتنصلون من مسؤوليتهم كالعادة؟!
إلى حين يتم افتتاح المطعم، هل سنخاطر ونخرج لشراء الطعام؟! أم سنصبر، وقد اعتدنا الصبر والجوع!؟