تنسيب عمال القطاع الخاص إلى النقابات يكون بالعمل بينهم والتفاوض معهم
لم تعانِ النقابات في مراحل سابقة من مشكلة في عدد العمال المنتسبين إليها، لأن قطاع الدولة كان سائداً ومهيمناً في الاقتصاد الوطني، حيث كان التنسيب إلى النقابات تلقائياً، ولا يحتاج إلى بذل أي جهد مع العامل لإقناعه بالانتساب إلى النقابة، فبمجرد دخول أي عامل إلى أي موقع إنتاجي كان يجري تنسيبه دون تقديم طلب انتساب إلى النقابة، أو الإطلاع على مهام النقابات، ودورها، وما يجب أن تقدمه له من خدمات، ودون اطلاع على قانون التنظيم النقابي، الناظم لعمل النقابات، مما انعكس سلباً على النقابة، وعلى العامل الذي لم يكتسب بهذه الطريقة الوعي الكافي بأهمية دوره وفاعليته المترتبين على انتسابه إلى النقابة باعتبارها الجهة المخولة في الدفاع عن حقوقه ومكاسبه من الناحية القانونية، وبالتالي تفعيل دوره هذا، الذي سينعكس حتماً على قوة اللجنة النقابية في موقعها، وقدرتها على القيام بالمهام المختلفة المنوطة بها من مراقبة الإدارة في سلوكها وقيادتها للمنشأة إنتاجياً، وصيانيَّاً، وتسويقياً، والتصدي للفساد والنهب الذي كان يجري (على عينك يا تاجر)، دون أن يكون هناك روادع حقيقية، أو دور فعلي للعمال في الإشارة إلى هذا التخريب الذي نحصد نتائجه المرة الآن بعد أن تفاقم، واستشرى في الاقتصاد الوطني، بشكل بات يهدد الأمن الاجتماعي.
إن تهميش دور العمال في المواقع الإنتاجية قد أضعف العلاقة بين العامل ونقابته، مما كان له انعكاس سلبي على مجمل العمل النقابي، بما فيه العمل بين عمال القطاع الخاص من أجل تنسيبهم إلى النقابات، وقد شكل هذا أزمة حقيقية للحركة النقابية لدرجة أن مستقبل الحركة النقابية مرهون بمدى قدرتها على الوصول إلى عمال القطاع الخاص، وذلك لأسباب موضوعية فرضتها الظروف الحالية، والتطورات الاقتصادية التي أدت إلى توسع دور القطاع الخاص في الاقتصاد، وزيادة استثماراته، وازدياد نصيبه في الناتج المحلي، بحيث أصبح هو المهيمن والسائد في الاقتصاد السوري، وأدى ذلك إلى ازدياد عدد العمال في صفوفه، وبالمقابل حدث نزيف في عدد العمال العاملين في قطاع الدولة بسبب وقف الحكومة للاستثمار والتجديد في قطاع الدولة الإنتاجي. السؤال الذي تطرحه النقابات على نفسها: ما هي الخطوات الواجب إتباعها للوصول إلى هؤلاء العمال؟
من خلال الحوار الذي دار في اجتماع المجلس الأخير، لم تكن هناك رؤية واضحة لإستراتيجية العمل القادم بين صفوف عمال القطاع الخاص، حيث طرحت آراء عدة حول الموضوع، وجرى استعراض تجارب بعض النقابات بهذا الخصوص، والموقف الذي خلص إليه الاجتماع هو أن يعقد مؤتمر خاص بعمال القطاع الخاص يرسم إستراتيجية للعمل النقابي القادم.
واستكمالاً لما طرحناه في العدد السابق من قاسيون في مقال (حق الإضراب... والتفاوض خطان باتجاه واحد)، نقول إن تجربة عمال القطاع الخاص في العمل النقابي هي تجربة حديثة نسبياً خاصة في مرحلة ما بعد التأميم، حيث كان القطاع الخاص ضعيفاً وعلى هامش قطاع الدولة، لذا لم يُعر الاهتمام الكافي من النقابات لتنسيب عماله، أما القيادات النقابية التي كانت ضمنه في مرحلة ما قبل التأميم، والتي لعبت دوراً مهماً في قيادة العمل النقابي، والنضال العمالي في وجه أرباب العمل، فقد اندمجت في الوضع الجديد، وطريقة العمل النقابي الجديدة التي لم يعد فيها أي صدام مع أرباب العمل باعتبار أن رب العمل الوحيد قد أصبح هو الدولة، والتي قدمت في تلك المرحلة مكاسب هامة للطبقة العاملة السورية، وأصبح لها ممثلون في كل المفاصل الحكومية، لتحُلَّ مشاكل العمال ومطالبهم من خلال هذا الأسلوب التوافقي الجديد بين الحكومة والنقابات، الذي أصبح الناظم الرئيسي للعمل النقابي إلى هذه اللحظة. وهذه الإستراتيجية المعتمدة في العمل النقابي أيضاً انسحبت على عمال القطاع الخاص حيث الحوار مع أرباب العمل والتفاوض هو الأساس، وإن حدث خلاف ذلك فهو خارج إدارة النقابات وأرباب العمل.
نقطة الانطلاق الأولى لكسب ثقة العمال، ووضع القطار على سكته الصحيحة هو في البرهان العملي الذي من المفترض أن تقدمه النقابات دفاعاً عن حقوق عمال القطاع الخاص، ونحن نؤكد مرة أخرى، أن التفاوض مع أرباب العمل هو أحد الأساليب، وليس كلها، لأن التفاوض الذي جرى سابقاً، وبإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومن خلال لجان مشتركة، والذي تعهد فيه أرباب العمل بالالتزام بما اتفق عليه من زيادة أجور العمال، لم يُعط النتائج المرجوة والمتفق عليها، ففي كل مرة يخرق أرباب العمل الاتفاق دون أن تحرك وزارة العمل ساكناً بهذا الخصوص باعتبارها الجهة الراعية للاتفاق.
إذاً ما العمل إزاء هذه الحالة المستعصية؟!
قدم عمال القطاع الخاص في العديد من المعامل الإجابة على هذا السؤال الإشكالي، وهو الإضراب، الذي كان يحقق بعض النتائج في إجبار أرباب العمل على زيادة أجور العمال، والذي كان سيحقق نتائج أفضل لو أن النقابات وقفت إلى جانبهم، ولم تأخذ دور الوسيط بين العمال، وأرباب العمل، مما شجع أرباب العمل على اتخاذ إجراءات رادعة بحق العمال وقيادات الإضراب، وذلك بتسريحهم وفقاً للاستقالات المسبقة الموقعة من العمال. كل هذا يعني أن هناك قيادات عمالية بدأت تتشكل، وتتمرس في النضال العمالي وقد اكتسبت ثقة العمال في مواقعهم الإنتاجية، وتركت لقدرها دون حماية، وهذه القيادات هي مفتاح النقابات في مختلف المواقع إذا أرادت الوصول إلى عمال القطاع الخاص.
لقد قدم أرباب العمل دروساً مهمة للعمال حول المصير الذي سيواجههم في حال إقدامهم على أية خطوة من التي يقوم بها العمال عادةً لأجل تحصيل حقوقهم.
وحتى يكون العمل بين صفوف عمال القطاع الخاص مستمراً من المفترض العمل على:
حماية المناضلين النقابيين في صفوف عمال القطاع الخاص، واحتضانهم وتبني قضيتهم، ومطالبهم المشروعة.
تفعيل دور النقابات من خلال تبني حقوق العمال والدفاع عنها مباشرة وأن يكون الانحياز كاملاً لصالح حقوق العمال.
الدعاية الواسعة لأهمية العمل النقابي، والانتساب إلى النقابات من أجل حماية حقوق العمال والدفاع عن مصالحهم.
الدعاية الواسعة للخدمات الاجتماعية والصحية وصناديق المساعدة التي تقدمها النقابات للعمال، في مواقع العمل، وفي الصحف، ومن خلال ملصقات توضع على الجدران في الأحياء الفقيرة التي تضم الأغلبية الساحقة من العمال.
إنشاء صناديق دعم من أموال النقابات لعمال القطاع الخاص في حال تعرضهم للتسريح أو الطرد من أرباب العمل.
إقامة دورات نقابية مسائية للعمال وذلك وفقاً لظروف عملهم لتعريفهم بالعمل النقابي والقوانين الناظمة للعمل.
التواجد في المدن الصناعية التي تضم ألوف العمال من خلال افتتاح مكاتب نقابية تقوم بإرشاد العمال إلى النقابات وإلى حقوقهم.