بصراحة الأجور.. ثم الأجور
من المؤكد أن الأجور من أكثر القضايا إلحاحاً، ومن أكثر القضايا التي يجري تداولها على ألسنة من يبيعون قوة عملهم، سواء العضلية منها أو الفكرية. فهنا لا فرق بين الاثنتين من حيث النتيجة النهائية، وهو ضرورة تحسين الوضع المعيشي، المتناسب مع غلاء الأسعار، التي تقفز الآن قفزات متسارعة لا يمكن للأجور الحالية إدراكها، أو الوصول إلى حاله قريبة منها، مما يعني استمرار الحال على ما هو عليه من بؤس وحرمان للعاملين بأجر، بينما أصحاب المليارات القدامى، والجدد تزداد أرباحهم، أيضاً بشكل متسارع بفعل قانون الاستغلال الواسع النطاق للبشر والحجر، المدعوم بكل أشكال الدعم التشريعي والقانوني، والتي تبيح عملية الاستغلال تلك، مما يعني انقسام المجتمع إلى فريقين أساسيين، يجري الصراع بينهما:
الفريق الأول مسلح بكل الوسائل الضرورية التي تجعله مستمراً في تسلطه واستغلاله، والفريق الآخر مجرد من إمكانياته ومكبلة طاقاته، التي لا تجعله قادراً على الدفاع عن حقه في الحياة، وحقه في وطنه الذي يبنيه بعرقه ودمه، هذا الوطن الذي يعيش فيه بغربة، وكأنه مهاجر بين حدوده الجغرافية.
إن الانتماء للوطن ليس فقط حدوداً وجغرافيا، بل الانتماء للوطن كرامة، وعزة وإباء، وهذه القيم لا يمكن منحها بقرار من أية جهة، بل هي مكتسبة، تكونت بالفعل النضالي الذي خاضه شعبنا لمواجهة قوى الاستعمار بشكليه، القديم والحديث، هذا النضال الذي ساهم فيه بشكل فعال العمال السوريون في كل مراحله، يخوضون معركة دفاعهم عن حقوقهم، ومنها حقهم بأجر عادل لثماني ساعات عمل، ومطالب أخرى..
إذاً تزاوُج النضال الوطني، والطبقي هو الأساس في نمو وتطور دور الطبقة العاملة السورية، وهذا الفعل لم ينقطع أبداً على الرغم من المحاولات الكثيرة الجارية لطمس الصراع الدائر بين الرأسمال والعمل، وبين العمال وأرباب العمل، وتحويله إلى مجرد بضعة قروش تضاف إلى أجورهم، بينما هم يأكلون البيضة والتقشيرة، كما يقال.
إن الطبقة العاملة السورية لديها الكثير من المجسات التي تستشعر بها تحسن وضعها المعيشي، وأهمها الأجور التي يتقاضاها العمال، والتي الآن لا تسد الرمق، والحديث المتواصل عن تحقيق نسب نمو وتحسن بالوضع الاقتصادي ما هو إلا خدعة يراد منها طمأنة العمال إلى إمكانية تحسين أوضاعهم (أمل إبليس في الجنة)، و تبرير حالة الغليان المستتر الذي ينتاب الطبقة العاملة بسبب أجورها الضعيفة، التي أوصلت غالبية الطبقة العاملة إلى ما دون خط الفقر، الذي حددته الحكومة في بياناتها وإحصائياتها، والحقيقة إن التحسن الذي قصدته الحكومة في بياناتها هو تحسن معدلات الربح لقوى السوق الكبرى، وانخفاض حقيقي في معدلات الأجور (80% إرباح، 20% أجور)، وهذه نتيجة طبيعية للسياسات الاقتصادية التحريرية، والاستثمارية والأجرية، التي اتبعتها الحكومة والتي آخرها محاولتها رفع الدعم عن المشتقات النفطية، والتي ما زالت غارتها تلك مستمرة رغم إعلان صفارات الإنذار عن انتهاء تلك الغارة، والتي تضع البلاد والعباد في (خانة اليك)، إما رفع الدعم أو الإفلاس، وهذان الخياران أحلاهما مرًّ بالنسبة للشعب السوري عامة وللطبقة العاملة خاصة.
ما نود أن نقوله في كل ما تقدم، هو أن قضية الأجور، وزيادتها زيادة حقيقية، تستطيع أن تصحح المعادلة المائلة الآن لصالح الأرباح أي لصالح الرأسمال، هي قضية وطنية من الدرجة الأولى، تتحمل مسؤوليتها كل القوى النظيفة في المجتمع، وبالأخص الحركة النقابية التي تقع على عاتقها قيادة النضال من أجل ذلك، وهذا لن يتسنى تحقيقه وهي واقفة في الوسط، بين الحكومة والطبقة العاملة، فلا هي قادرة على أن تكون شريكاً حقيقياً للحكومة في سياساتها، لأن ذلك متناقض مع مصالح وحقوق الطبقة العاملة، وهذا لا ينسجم مع دورها بالدفاع عن تلك المصالح ومنها الأجور، ولا هي قادرة على قيادة الطبقة العاملة باتجاه تحسين أوضاعها والدفاع عن حقوقها ومصالحها بوسائل مشروعه أقرتها الاتفاقيات الدولية، وكذلك تجارب الطبقة العاملة في العالم، ويفترض أن لا تكون الحركة النقابية في الوسط، وهذا يعني تكريس ثقافة نضالية جديدة، جوهرها خلق ميزان قوى يتيح للطبقة العاملة إمكانية تعديل تلك المعادلة اللعينة (الأرباح ـ الأجور) لصالح الأجور فلم يعد مقبولاً الوقوف بالوسط.