بصراحة هل تكفي المذكرات والرسائل للدفاع عن القطاع العام؟!
منذ تخلي الحركة النقابية عن النضال المطلبي وتبنيها للنقابية السياسية، اعتمدت على تقديم الكتب والمذكرات إلى الجهات الحكومية الوصائية كأسلوب وحيد في عملها لتحقيق مطالب وحقوق العمال، وهي بهذا تستند على وضعها كشريك للحكومة في القرارات التي تتخذها، حيث أتاحت لها هذه الشراكة التواجد في مواقع إدارية وإنتاجية كثيرة، وهذا التواجد قد مكَّنها في ظروف سابقة من تحقيق الكثير من المطالب العمالية، عندما كان القطاع العام هو السائد في الاقتصاد الوطني، ويستثمر بمليارات الليرات السورية في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية، مما أتاح للنقابات فرصة ذهبية للتوسع في كل المجالات، من خلال زيادة عدد العمال المنتسبين إليها، وارتفاع الموارد المالية المحصلة من اشتراكاتهم. ولكن بالمقابل، فإن هذا التوسع الكبير الذي أشرنا إليه قد خلق آليات وثقافة عمل وأمراض وسلوكيات نقابية لم تكن موجودة في المراحل السابقة لتبني النقابية السياسية، وأهم نتائج ذلك الهوة التي تشكلت بين الحركة النقابية والطبقة العاملة، وهذه الهوة التي تتسع تدريجياً لم تنشأ من فراغ بل نشأت بفعل تراكم المطالب والحقوق العمالية التي لم تجد طريقها للتحقق الفعلي، بما يؤمن مطالب العمال بالأجر الحقيقي الذي يؤمن كرامتهم، وكذلك بمكان العمل الذي يحقق الشروط الضرورية للإنتاج واستمراره وتطوره، مما يلبي المصلحة الوطنية، ومصلحة الطبقة العاملة في الآن ذاته.
لقد تركز الهجوم الليبرالي على أهم قضيتين تمسان الاقتصاد الوطني والطبقة العاملة وهما أجور العمال، والقطاع العام الصناعي، وهاتان القضيتان لهما تأثير مباشر على مستقبل الحركة النقابية وعلاقتها بالطبقة العاملة.
فالأجور الفعلية للعمال هي القضية الأساسية التي من المفترض على النقابات النضال لأجلها وعدم الركون لما تقدمة الحكومة من مبررات بشأنها، مثل عدم وجود موارد لزيادة أجور العمال، مع أن الموارد موجودة، وتصرف شرقاً وغرباً دون حساب، وما يجري نهبه من موارد يكفي ليس فقط لزيادة أجور العمال زيادة حقيقية تؤمن كرامة العامل، بل تكفي لخلق تنمية حقيقية تساهم بإنهاء الأزمات الكثيرة التي يتعرض لها شعبنا، ومنها أزمة البطالة والتعليم والصحة والخدمات وغلاء المعيشة، فالزيادات الاسمية التي يحصل عليها العمال بين فترات زمنية متباعدة لم تحقق تلك النقلة المطلوبة في مستوى حياة العامل المعيشية، ولم تلب المتطلبات الضرورية والمتزايدة التي فرضها ارتفاع الأسعار والتكاليف المعيشية التي يئن العمال تحت وطأتها.
والقضية الأخرى الأكثر خطورة من قضية أجور العمال، لأنها تمس غالبية فقراء الوطن، وتمس أيضاً الاستقلال والسيادة الوطنية، هي الهجوم على القطاع العام الصناعي والزراعي الذي يجري التفريط به وفق خطة منهجية وتدريجية، بحجة أنه لا توجد موارد تؤمن الاستثمار الواسع فيه، لذا لابد من الاعتماد على جلب الاستثمارات الخارجية القادرة على توفير المطلوب من الموارد التي ستؤمن النمو المطلوب، وبالوقت نفسه لابد من الخلاص مما تبقى من القطاع العام الصناعي والزراعي لأنه يحمِّل الدولة أعباءً لا طائل ولا جدوى من الاستمرار في دفعها، فالخلاص منه يعني تخفيف العبء على الموارد الحكومية!!!
لقد اختصرت الحكومة بهذه السياسات كل شيء لصالح الموارد التي لابد من تأمينها حتى لو كانت من الشيطان، والشيطان هنا هو الاستثمارات الأجنبية التي لن تأتي إلينا كرمى لعيون حكومتنا العتيدة، بل ستأتي وفقاً لما يحدده لها مجلس الاستثمار العالمي، والمنظمات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية، وهذه المنظمات لها أجندة سياسية تسعى لتحقيقها وفقاً لمصالحها؟ فماذا عن مصالحنا الوطنية إذاً؟
إن خطورة ما يجري تنفيذه على الأرض يتطلب من كل القوى الشريفة والنظيفة داخل النظام وخارجه استنفار قواها، و يتطلب بالأخص من الحركة النقابية القيام بأكثر من مجرد تسطير مذكرات وكتب إلى الجهات الوصائية، فهي تفعل ذلك منذ سنوات وسنوات دون أن تحقق على الأرض ما هو مطلوب في مذكراتها، وآخرها المذكرة التي أرسلتها قيادة الاتحاد العام إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء حول تصوراتها عن إصلاح القطاع العام.
إن الاستحقاقات الكبرى التي تواجه الطبقة العاملة وعموم الشعب السوري تتطلب ما هو أكثر من إرسال مذكرات بائسة للدفاع عن أجور العمال وحقوقهم، والدفاع عن القطاع العام وتطويره وتفعيل دوره. فالمطلوب فعلاً هو تشكيل لجان شعبية وعمالية للدفاع عن القطاع العام تكون أداة ضغط حقيقية على السياسات الاقتصادية الليبرالية، تمهيداً لإسقاطها واستبدالها بسياسات وطنية تلبي المصلحة الوطنية العليا.
فهل ستقوم الحركة النقابية والقوى الوطنية بما هو مطلوب منها فعلاً؟
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.