متابعة أوضاع العمال في المنطقة الصناعية -2-
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

متابعة أوضاع العمال في المنطقة الصناعية -2-

نتابع في هذه المادة ما بدأنا به في العدد الماضي من تغطية لأوضاع العمال في المنطقة الصناعية بدمشق, أضأنا فيها على واقعهم في مهن مختلفة, منها صناعة المكابس والأفران وعمال (العتالة), إضافة لعمال ورشات تصليح السيارات.

وسنتابع واقع العاملين هناك من بوابة مهن أخرى في الصناعات النسيجية والغذائية.

لعنة الجغرافية ... 

تدني الأجور

تنتشر مئات المعامل والورش والمشاغل في المنطقة الصناعية بدمشق, وتشكل الصناعات النسيجية والغذائية الجزء الأكبر منها, وهي بذلك تضم مئات العاملين المحسوبين على القطاع الخاص غير المنظم, ومن المؤكد أن الموقع الجغرافي للمنطقة التي لا تبعد عن مركز المدينة سوى مئات الأمتار, بالإضافة لتمتعها بميزة احتوائها على (كراج الست) جعلها الخيار الأول والأنسب للكثير من العمال القاطنين في دمشق وسكان بلدات الريف المنتشرة على طرفي طريق المطار, (كعقربا والغزلانية وحتيتة التركمان إضافة لجرمانا ودويلعة) وغيرها من البلدات والمدن, وهذا ما يفسر التدني الواضح للأجور بالمقارنة مع أجور مناطق صناعية أخرى (كمجمع الزبلطاني ومعامل صحنايا ومنشآت المدينة الصناعية بعدرا) فالطلب على العمل في هذه المنطقة بالذات أعلى من أغلب المناطق، مما يتيح لأرباب العمل إمكانية تخفيض الأجور للحد الأدنى, ولا يستثنى من هذا الجور الفاضح إلا الفئة العمالية المهنية والفنية الخبيرة (عمال ميكانيك أو خراطة) وقد تلمسنا ذلك على مجمل المهن الموجودة.

الصناعات النسيجية الأكثر تواجداً

ليس غريباً أن تتصدر الصناعات النسيجية قائمة الصناعات المحلية على امتداد العاصمة وريفها, لتاريخها المتجذر من جهة, ومواكبتها للتطور الصناعي من جهة أخرى, وهذا يشمل المنطقة الصناعية بدمشق التي تضم عشرات مشاغل الخياطة والعشرات من معامل ومشاغل الجوارب, وقد حرص الصناعيون على تأسيس منشآتهم في هذه المنطقة بالذات بسبب قربها من الأسواق التجارية المتخصصة بتسويق وبيع هذه المنتجات، فسوق (زقاق المحكمة والشماعين) مثلا يعتبران السوقين الرئيسيين لتجارة الجوارب، في حين تعتبر أسواق (مدحت باشا والحريقة وسوق الصوف) من أهم أسواق الأقمشة والمنتجات النسيجية الأخرى، ويحرص الصناعيون على مواكبة التطور التقني من خلال التحديث الدوري لآلاتهم، مما انعكس على تطور اليد العاملة بشكل ملحوظ، ونجحت بالجمع بين الخبرة المهنية والفهم الميكانيكي الالكتروني، ولكن ذلك لم ينعكس على مستوى الأجور ايجاباً، بل على العكس من ذلك، خاصة في هذه المعامل الموجودة في المنطقة الصناعية. 

فرغم الصعوبات التي يعاني منها الصناعيون، يبقى سلوكهم العام باتجاه تحميل الجزء الأكبر من هذه الصعوبات على العمال أنفسهم هو الإجراء الأول لهم, فالعمال كما بات بديهياً هم الحلقة الأضعف في تلك السلسة الإنتاجية, كيف لا؟ وهم المحرومون من أدنى الحقوق الأساسية، ومنها: وجود قانون عمل ينظم العلاقة بينهم وبين صاحب العمل، وكذلك حقهم في التأمينات الاجتماعية والضمان الصحي والانتساب للنقابات، والكثير من الحقوق الأخرى التي يستمر منعها عن عمال القطاع غير المنظم بأسره.

أرباب العمل ... نحن أرحم من الحكومة

لا يختلف حال عمال الخياطة في هذه المعامل عن غيرهم في المناطق الأخرى إلا ببعض التفاصيل, فعدد ساعات العمل يرتفع بمعدل ساعة أو اثنتين يومياً عن غيرها, ومرد ذلك لسهولة التنقل والمواصلات, فيما يتدنى الأجر نسبياً للأسباب التي ذكرناها سابقاً, فمتوسط أجر ساعة عمل واحدة لعامل مكنة درزة في معامل صحنايا مثلاً 275 ليرة  تنخفض لـ 235 ليرة في المنطقة الصناعية, وأما عاملات الأمبلاج في مجمع الزبلطاني فيبلغ متوسط الأجر الأسبوعي لهن 6500 ليرة وينخفض لـ5500 في معامل المنطقة الصناعية, أحد أصحاب هذه المعامل عبر عن رأيه بهذا الفرق بين الأجور وعلى ماذا يدل؟ حيث اعترف بصراحته الخشنة بأن ذلك طبيعي فهذه منطقة آمنة وقريبة و(العمال على أفا مين يشيل بتصرف واحد بيجي عشرة) ولا يمر يوم دون أن يأتي أحد ليسأل عن عمل, وعن رأيه فيما إذا ما كانت هذه الأجور عادلة من وجهة نظره؟ أجاب طبعاً لا وأضاف: (إذا بعطي عمالي كل واحد 100 ألف بالشهر ما بكون عم بعطيهم حقهم, بس هي تسعيرة السوق يعني السوق يحدد السعر, لا أنا ولا غيري) بكل الأحوال نحن مازلنا ندفع أجور أعلى من أجر الموظفين عند الحكومة.

تنظيم عالي

 وأجور متفاوتة

أحد معامل المقبلات الغذائية (كما يسمونها) حيث ينتج بعض أنواع بطاطا الأطفال (الشيبس)، يمتاز المعمل بالتنظيم العالي الذي يعتبر شرطاً أساسياً في هكذا نوع من المهن، كون خطوط الإنتاج كلها آلية، من مرحلة الطبخ والعجن وانتهاء بالتغليف والتعليب، ويبدو لافتاً ارتفاع نسبة العاملات النساء والعمال الأطفال بشكل عام. تعمل في المعمل 32 يد عاملة، سبعة منهم رجال و17 عاملة وثمانية أطفال، أربعة عمال فقط هم المسجلون في التأمينات منذ عشر سنين أو أكثر، وهم في الوقت نفسه رؤساء خطوط الإنتاج، ولم يسجل صاحب العمل أي أحد آخر طوال الفترة الماضية، وتعتبر أجور العمال الأربعة هي الأعلى حيث تتراوح أجورهم بين 60 – 85 ألف شهرياً، يضاف إليها بعض المكافآت والحوافز، وهم مسجلون بالتأمينات الاجتماعية وفق الحد الأدنى للأجور، وليس وفق أجورهم الحقيقية، أما العاملات فأجورهن وسطياً 30 ألف، والأطفال الفتية 15-20 ألفاً، ويعمل المعمل على مدار 24 ساعة بواقع ورديتين، 12 للعمال الرجال والفتية، وثلاث ورديات 9 ساعات للعاملات النساء، علماً بأن يوم السبت يعتبر يوم عمل عادي ولا يدخل بحساب العمل الإضافي.

حكي (على حبته)

 

دلال عاملة أمبلاج خياطة: «كل يوم جديد أسوأ من اللي راح كل مالنا رجوع, 7 ألاف بالأسبوع شو بيعملوا؟ نحنا مهجرين من منطقة (العتيبة) بطلت ولادي الاثنين من المدرسة وشغلتهم معي بالمعمل، بس حتى نقدر نأكل ونشرب وندفع أجار البيت، هاد حالنا وعم نستنى فرج الله، قطعوا عنا المازوت والسكر والرز والمعونات شو بدهم يانا نموت من الجوع؟»

ضياء، فتى عامل 16 سنة: «شوفة عينك طول النهار ما بهدا أبداً، بوصل عالبيت خالص, درست للخامس يعني أهلي طلعوني من المدرسة بس صرت أعرف أقرأ, صرلي 3 سنين بالمعمل هون باخد 7 ألاف بالأسبوع، ألفين مصروف أجار طريق ودخان والباقي لأهلي مصروف بيت, ولسا قدامي جيش وما بعرف شو بدي ساوي».

أبو علاء، عامل ميكانيك جوارب: «عايشين عالحفة بس يخلص اليوم وأنا قدران طعمي عيلتي معناها أبو زيد خالي، مارح يتغير شي للأحسن لتخلص الحرب، هلأ مين قدران يحكي، الله وكيلك عم نتحمل ظلم صاحب المعمل من تم ساكت، نحنا لحالنا مافي حدا بظهرنا, بتسترجي تحكي أو تشتكي؟ أي والله صاحب الشغل بيعرف كل أمة الله, وواسطته كبيرة كتير يعني تلفون واحد بيخفي أثرنا, وقتنا صعب وبدنا نداري لقمتنا, وبس توقف الحرب لكل حادث حديث، في كتير شغلات رح تتغير.. بكرا بتشوف».