عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة آليات العمل النقابي بين الأمس واليوم

تبنّي الحركة النقابية في المؤتمر /17/، وما بعده من مؤتمرات نقابية، للنقابية السياسية، وتخليها عن التقاليد النضالية الكفاحية في الدفاع عن حقوق العمال، ومصالحهم، وانتهاج سياسة الشراكة، وفريق العمل الواحد مع الحكومة، كل هذه السياسات كانت في مراحل سابقة تجدي في تحصيل بعض الحقوق للطبقة العاملة بسبب سيادة القطاع العام وهيمنته شبه الكاملة على الاقتصاد الوطني، إضافة إلى الظروف السياسية القائمة وموازين القوى العالمية والمحلية التي كانت تسمح بمثل هذا النوع من العلاقة بين الحكومة والنقابات، وقد تحققت العديد من المكاسب للطبقة العاملة طوال عقود كتحصيل حاصل ليس إلا.

ولكن هذا الشكل من العلاقة بين رب العمل والنقابات قد كرّس مفاهيم وتقاليد جديدة في العمل النقابي وفي شكل الدفاع عن حقوق العمال ومكتسباتهم، وتكرست بين معظم الكادر النقابي مفاهيم مشوهة لطبيعة الانتماء والولاء، حيث أصبحت طاعة ومرجعية الكثير من النقابيين لمن جاء بهم إلى هذا الموقع وليس للطبقة العاملة في مواقعها الإنتاجية، وهذا ينسحب أيضاً على الكوادر النقابية في القوى السياسية الأخرى، التي لعبت في مراحل سابقة دوراً ريادياً في قيادة النضال العمالي، وفي استقلالية الحركة النقابية، وفي جعلها جزءاً من الحركة النقابية العالمية المناضلة من أجل حقوق العمال ومكاسبهم في مواجهة الشركات العملاقة العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات.

إن هذه التقاليد الطارئة على العمل النقابي، قد خلقت كادراً نقابياً متناسباً مع طبيعة تلك المرحلة من تاريخ الحركة النقابية والعمالية، كادراً لا يوجد في قاموسه أي شكل من أشكال الاحتجاج أو الإضراب العمالي السلمي، وهذا رغم خطورته كان نتيجة طبيعية للوضع والظرف الذي كان قائماً، ولكنه لم يعد مقبولاً اليوم، بعد تغير الظروف داخلياً وخارجياً..

واليوم، تردد بعض القيادات النقابية بكل مناسبة أنها ليسوا بحاجة إلى الأشكال النضالية الحقيقية كالإضرابات والاحتجاجات للدفاع عن الطبقة العاملة السورية سواء في القطاع العام أو الخاص، وهذا ناتج عن استمرار تمسكهم بموقفهم من العلاقة مع الحكومة، رغم كل ما قامت به هذه الحكومة وفريقها الاقتصادي، وما تقوم به الآن، وما ستقوم به مستقبلاً تجاه العمال والقطاع العام والاقتصاد الوطني، بعد تبنيها للسياسات الليبرالية التدميرية، والحقيقة أن المطلوب هو اتخاذ موقف حازم يسقط هذه السياسات عبر سياسة مقاومة نقابية وعمالية شاملة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، ولقد بدأ فعلياً جزء هام من الحركة النقابية يصعد لهجته تجاه سياسات الفريق الاقتصادي، متهماً إياه بالانفراد بالقرارات..

تسأل الحركة النقابية عن موضوع الشراكة القائمة مع الحكومة وعن مصيرها في حال استمرار الحكومة بخطتها وسياساتها التي تنفذها الآن، وخصوصاً بموضوع الاستثمارات الواسعة التي أتاحت للرأسمال الأجنبي أو العربي المرتبط بالرأسمال الأجنبي وضمن توجهاته، الاستثمار بالجانب الحكومي والمصرفي الذي يحقق أرباحاً ضخمه وسريعة مع وجود كل الضمانات الحكومية من خلال القوانين التي أصدرتها على حرية تلك الرساميل الرابحة في الخروج سالمة من أرض الوطن، والتي لم تحقق الغاية من استقدامها إلى البلاد، وهي المساهمة بعملية التنمية، والمساهمة في حل قضية البطالة التي تتزايد يوماً بعد يوم، خاصة وأن الحكومة قد حسمت أمرها بعدم الاستثمار في القطاع العام، وعدم مساعدة الشركات على تطوير خطوط إنتاجها وتأمين السيولة اللازمة للإنتاج.

وفي الجانب الآخر تتحفظ الحركة النقابية على الرهان على دور كبير يلعبه القطاع الخاص في عملية التنمية، فالقطاع الخاص، وخاصة الخدمي والتجاري، غير مأمون الجانب من حيث دوره في الاحتكار ورفع الأسعار، والتجربة الماضية لازالت ماثلة أمامنا، وشعبنا لازال يعاني منها إلى الآن، ومع ذلك الحكومة ماتزال كل يوم تطرح على القطاع الخاص الاستثمار في جانب من جوانب الاقتصاد الوطني العامة كالمرافئ، والتي يعتبر التفريط فيها كمن يتخلى عن الحدود الوطنية لصالح الأعداء.

إن جملة القضايا تلك تضغط بقوة على الحركة النقابية وتجعلها تعيد الكثير من حساباتها لأن ما يجري الآن لا يمكن قبوله تحت أي شعار، أو تحت أي تبرير، وبالتالي فإن إعادة النظر بآليات العمل النقابي والعمالي سيمكن الحركة النقابية من أخذ دورها الطبيعي إلى جانب كل القوى الوطنية المدافعة عن القضية الوطنية بمفهومها الشامل الاجتماعي والاقتصادي، وأن تكون هذه الحركة ذات التاريخ العريق بالدفاع عن الوطن وعن حقوق العمال في طليعة تلك القوى الوطنية، وفي هذا مبرر وجودها واستمرارها.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2016 11:36