خطوة مهمة للنقابات... لكنها غير كافية!!

لا ندري كم هي المرات التي طلبت فيها النقابات من اللجان النقابية تقديم معلومات عن واقع الشركات من حيث التكاليف، المخازين، اليد العاملة، التسويق، المعايير الإنتاجية، واقع الآلات وخطوط الإنتاج.... الخ. ومصادر هذه المعلومات المطلوبة هي بالأساس الإدارات وما تقدمه من بيانات ترسل شهرياً إلى الجهات الوصائية التي من المفترض بها دراسة تلك البيانات، ومحاسبة الإدارات على أدائها وفقاً للمعايير الاقتصادية الضرورية لجعل هذه المعامل والشركات والمؤسسات مساهمة في تطوير النمو الاقتصادي، وملبية للحاجات الضرورية للمواطنين بأسعار متناسبة مع قدراتهم الشرائية.

ولكن واقع الحال ليس كذلك، حيث تستمر معظم الشركات بالسقوط الحر نحو الخسارة عاماً بعد عام، مكدسةً إنتاجها وفق شروط تخزين تحقق للجرذان ممارسة هوايتها المفضلة في القضم والقرض، ليباع هذا المخزون بعد سنوات بأقل من سعر التكلفة، فتتواصل الخسارة ويستمر الإنتاج وفقاً للمعايير السابقة نفسها، دون أن تجد الجهات الوصائية نفسها معنية بإيقاف هذا النزيف المستمر لأموال الشعب وحقوقه بأن توظف تلك الأموال الطائلة بما يعود عليه بالنفع والخير.

إن مبادرة النقابات بتقديم دراسات تفصيلية حول واقع هذه الشركات وتقديم الاقتراحات للخروج من عنق الزجاجة خطوة مهمة وضرورية، وخاصةً أن هذه الدراسات تجري الآن من خلال اللقاء مع اللجان النقابية والنقاش معها مباشرة حول واقع الشركات، وليس عن طريق المذكرات فقط، وهذه الخطوة لابد من تعميمها وتوسيعها باتجاه التجمعات العمالية، أي الالتقاء بالعمال مباشرة لمعرفة واقع شركاتهم، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، والعمال أدرى بواقعهم وواقع معاملهم، وأدرى بمكامن الفساد الذي يجري على قدم وساق في معظم مفاصل العمل الإنتاجي والتسويقي، وهم الأقدر على مكافحته والتصدي له لو أتيحت لهم الفرصة، وبهذا تكون الحركة النقابية منسجمة مع  دورها في حماية الاقتصاد الوطني من النهب والتخريب، والحفاظ على الدور القيادي للقطاع العام في الاقتصاد الوطني، حيث تجري المحاولات المستمرة لنزع هذه الصفة عنه، وتحييده عن دوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لعبه في مراحل سابقة، والذي مازال إلى الآن الضمان الأساسي للاقتصاد الوطني، القادر على حمايته من الأزمات التي تتعرض لها الكثير من اقتصاديات البلدان التي باعت قطاعها العام بسوق النخاسة وبسعر بخس، لتدفع الشعوب ثمناً باهظاً لهذا العمل، عن طريق الركض خلف تعليمات صندوق النقد الدولي وتوصياته التدميرية، تلك التوصيات التي يحاول فريقنا الاقتصادي تمريرها خطوةً خطوة في بلادنا، كما حدث مؤخراً بالنسبة لموضوع الاشتراكات التأمينية للعمال، وتخفيض نسبة التقاعد، حيث أخذت النقابات موقفاً واضحاً ضد هذه الخطوة، مما جعل رئيس مجلس الوزراء يوجه بالتريث في تنفيذها، وتشكيل لجنة لدراسة المقترحات المطروحة. أي أن الموقف النقابي الصحيح والمتخذ في اللحظة المناسبة مهم في عرقلة ومنع القرارات التي لا تخدم مصالح العمال، وهذا لابد أن ينسحب على بقية القضايا التي لها صفة مصيرية تمس الاقتصاد الوطني، مثل تراجع الحكومة عن إصلاح القطاع العام واعتباره القطاع القائد للاقتصاد الوطني، والمراهنة على دور قائد للقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي والعربي.

 إن هذه الرهانات خاسرة كما تثبت الآن أزمة الرأسمالية العالمية التي جعلت الدول الإمبريالية مضطرة لمعالجة أزمتها التي لا مخرج لها بإعادة الاعتبار لدور الدولة، من خلال عمليات تأميم واسعة تقوم بها للمؤسسات المالية والعقارية المفلسة، بعد أن ضخت آلاف المليارات من الدولارات دون أن تفلح بإعادة الحياة لتلك المؤسسات والمصارف التي سقطت وانتهت، لتدفع شعوب العالم الفاتورة الأساسية لعمليات النهب الواسعة التي مورست خلال العقود الماضية.

إن ما تقوم به النقابات الآن من دراسات، وما تقدمه من اقتراحات وحلول لواقع شركات القطاع العام مهم جداً، ولكن الأهم هو تصعيد الهجوم على البرامج الليبرالية التي مازالت الحكومة  مصرة على الاستمرار والمضي في تطبيقها، كما صرح النائب الاقتصادي عبد الله الدردري، إن التصعيد بالهجوم المعاكس لابد أن يعتمد بشكل أساسي على تعزيز العلاقة بالطبقة العاملة، من خلال تفعيل دور اللجان النقابية والعمال في الرقابة وكشف مواقع الفساد ومواجهته، لأن مصالح الطبقة العاملة تتأمن من خلال العمل والإنتاج الحقيقي الذي يلبي المصالح الوطنية ومصالح العمال. فالخطوة مهمة إذاً ولكنها غير كافية.