تحت وطأة الحرب والفقر: أطفال سورية لا منجى لهم من العمل
منذ مطلع الأزمة السورية بات سوق العمل وحشاً يختطف الأطفال السوريين من أسرهم الفقيرة ويزج بهم في معترك الحياة قبل أن يشتد عودهم، فيحرمهم حقهم في الدراسة والنمو النفسي السليم ويرهق أجسادهم الفتية بالعمل المضني خلف الآلات في المصانع أو في مواقع البناء أو ورشات صيانة السيارات، أو يلقي بهم ببساطة على أزقة التسول بحثاً عن لقمة عيشٍ تنقذ أسرهم من شبح الجوع الذي يتربص بهم كل حين.
قادت الحرب آلاف الأطفال السوريين إلى عالم الكبار قبل الأوان، وأرغمتهم على العمل تحت وطأة الاستغلال في ظل غياب مظلة قانونية قادرة على حمايتهم أو وضع حد لاستغلالهم، ورغم حجم معاناة هؤلاء الأطفال وكثرة أعدادهم فإن الأرقام التي تتناول عمالة الأطفال السوريين ما تزال غير دقيقة أو شاملة، إذ أنها غالبا ما تستند إلى تقديرات ومعطيات يصعب الوصول إليها على أرض الواقع.
استغلال وإيذاء
ويعاني الأطفال السوريون المنخرطون في سوق العمل من ظروفٍ صعبة فأجورهم زهيدة لا تتناسب مع الجهد المبذول، وكثيراً ما تصنف الأعمال التي يقومون بها بأنها خطرة أو شاقة، إلى جانب تعرضهم للاستغلال وما قد يترافق معه من سوء المعاملة أو الإهانة أو التعنيف الجسدي، وفي المناطق الساخنة تزداد المشكلة خطورة مع إرغام الكثير من الأطفال على المشاركة في الأعمال المسلحة بشكل أو بآخر.
وحرمان من التعليم
كما يتزامن دخول الأطفال إلى سوق العمل غالباً مع خروجهم من المدارس، وبالتالي حرمانهم من التعليم الذي يعد فرصتهم الوحيدة في الحصول على مستقبل أفضل، إذ تتجاوز نسبة تسرب الأطفال من المدارس في سورية 45%، ولا شك أن معظم هؤلاء الأطفال يضطرون في ظل غياب التعليم وتردي الوضع المعيشي لأسرهم إلى الانخراط في سوق العمل قبل الأوان.
مخيمات النزوح
آلاف الأطفال السوريين الذين تتقاسمهم دول الجوار في لبنان وتركيا والأردن، يجدون أنفسهم مرغمين على العمل في ظل تردي الوضع الإنساني في المخيمات وعجز الأسر عن إعالة أطفالها، ففي لبنان تشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن 60 في المئة من الأطفال السوريين، منخرطون في سوق العمل ويتعرضون لمختلف أنواع الاستغلال .
وفي تركيا التي تعاني أصلاً من ارتفاع نسب عمالة الأطفال، صدر قانون عمل الأطفال منذ نيسان 2015 بسبب ارتفاع عدد اللاجئين السوريين في البلاد.
الأردن.. أرقام مخيفة
وعن عمالة الأطفال السوريين في الأردن فقد أصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً مشتركاً بعنوان «رهق الأطفال» جاء فيه أن عدد الأطفال السوريين العاملين في الأردن بلغ نحو ستين ألفاً يعانون ظروفاً قاسية أبرزها تدني الأجور وطول ساعات العمل إلى جانب الاستغلال والعنف في ظل ضعف الرقابة والمساءلة الحكومية.
وعن أسباب عمالة الأطفال اللاجئين جاء في التقرير أنها ترجع في الدرجة الأولى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث تصنف عمَّان بأنها الأغلى في الشرق الوسط، وأن المساعدات المقدمة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لا تشمل سوى 10% فقط منهم، هذا بالطبع إلى جانب رغبة أرباب العمل في الأردن بتشغيل الأطفال السوريين لأنهم يقبلون بأجور أدنى بكثير من الحد الأدنى للأجور في الأردن،
وظروف مأساوية
وكشف التقرير في دراسة أجريت على عينة من الأطفال السوريين العاملين في الأردن أن نحو 80% منهم لا يحصلون على إجازات رغم أنهم يعملون بمعدل 8 ساعات يومياً، كما أن 63% منهم تعرضوا لإصابات عمل استدعت تدخلاً طبياً، وذكر 15% من الأطفال أنهم تعرضوا لعنف جسدي أثناء ممارسة العمل.
مستويات خطيرة
وكانت منظمة اليونيسيف ومنظمة «أنقذوا الأطفال» قد أصدرتا تقريراً العام الفائت يحذر من أن عمالة الأطفال السوريين بلغت مستويات خطيرة، ويبدو أنه وباستثناء أرقامهم التي تتزايد عاماً فعام، ما من جديد بالنسبة للأطفال المنخرطين في سوق العمل، فهم ما زالوا بأمس الحاجة إلى قوانين تحميهم وإحصائيات تغطيهم، والأهم من ذلك بالطبع بلاد آمنة تعيد إليهم طفولتهم المستلبة.