بصراحة الصحافة العمالية المغيبة!!
مازالت المقولة الشهيرة بأن الجريدة (داعية ومنظم ومحرض) تكتسب أهميتها في ظل ظروفنا الصعبة والمعقدة، ليتداخل فيها ما هو وطني بما هو طبقي، حيث لا يمكن الفصل بين المهمتين، فمواجهة العدوان الإسرائيلي والأمريكي تعني تأمين متطلبات تلك المواجهة ليس عسكرياً فقط بل وشعبياً من خلال تحسين مستوى المعيشة، وتوسيع الحريات الديمقراطية التي ستلعب دوراً أساسياً في تعزيز الوحدة الوطنية، والتي لا يمكن دونها الحديث عن دور رئيسي للشعب السوري في المواجهة والصمود والمقاومة، ومن هنا فإن القوى الوطنية وفي مقدمتها الحركة النقابية تتحمل المسؤولية في تعبئة وتنظيم الطبقة العاملة، مستخدمةً كل الوسائل المتاحة، ومنها الصحافة التي من الممكن أن تلعب دوراً مهماً في مواجهة الفساد، ومواجهة الهجوم على القطاع العام، والدفاع عن حقوق الطبقة العاملة ومكتسباتها، وحماية الاقتصاد الوطني المنتج، حيث باتت كل تلك القضايا مهددة من السياسات الاقتصادية التي تسير بخطة ثابتة نحو التفريط بكل إنجازات شعبنا وتضحياته التي خلقت القاعدة المادية الواسعة، والتي كلفت شعبنا الغالي والرخيص، وتحمل من أجلها الحرمان والفقر.
لقد دفع شعبنا وفي المقدمة الطبقة العاملة السورية الثمن في بناء تلك القاعدة المادية بإنشاء السدود والسكك الحديدية ومحطات الكهرباء ومعامل النسيج واستصلاح الأراضي... إلخ، والآن يدفع الثمن جراء التفريط بتلك الإنجازات.
والسؤال المطروح: لماذا غابت الصحافة العمالية في هذه الظروف؟؟
الإجابة متروكة لقيادة الحركة النقابية التي قدمت إلى المؤتمر الـ /25/ مشروع قرار في مجال الثقافة والإعلام متضمناً ثمانية وعشرين بنداً، منها تطوير صحيفة «كفاح العمال الاشتراكي» في المضمون والشكل، ورفدها بالكادر الصحفي والإداري المتمكن، إضافة إلى إحداث وحدة معلوماتية تكون بمثابة مركز معلومات نقابي وطني يخدم جميع مجالات عمل الاتحاد العام ومنظماته، ونواة لشبكة معلوماتية نقابية وطنية تتضمن قاعدة معلومات عريضة عن الاتحاد العام وإنجازاته تاريخياً، ومرجعاً على المستوى الوطني، ونافذة على المستويين العربي والدولي، كما جاء في مشروع القرار.
ولكن ما نراه الآن وجود صحيفة واحدة للحركة النقابية «كفاح العمال الاشتراكي» بإمكانياتها المتواضعة في تغطية القضايا العمالية، وما تتعرض له الطبقة العاملة الآن من هجوم على حقوقها ومكاسبها، وما تتعرض له من عملية أضعاف وتفتيت.
لقد لعبت الصحافة العمالية المحلية التي كانت تصدرها النقابات المختلفة دوراً مهماً، مثل صحف نقابات الغزل والنسيج والمعدنية والكهرباء والسياحة واتحاد عمال دمشق، وكذلك بعض النشرات التي كانت تصدر في المعامل وتوقفت، حيث كانت تلك الصحف والنشرات ترصد واقع الطبقة العاملة، وكذلك أوضاع المعامل والشركات، ويساهم في تحريرها العمال أنفسهم، وقد غاب هذا التقليد الآن عن العمل النقابي، وغاب عنه العمال الذين هم الأقدر على التعبير عن أنفسهم ومشاكلهم والدفاع عن حقوقهم والتعريف بها، وهنا تكمن مهمة الشؤون الثقافية في النقابات في إعادة الصحافة العمالية إلى سابق عهدها، وتعميم هذه التجربة وتطويرها بما يتلاءم وظروف الطبقة العاملة الحالية، حيث يقتضي واقع الحال تعزيز وحدة الطبقة العاملة وحركتها النقابية، وهذا لن يتحقق إلا عبر التصدي الحازم للقضايا العمالية والدفاع عنها، وتعبئة الطبقة العاملة حول برنامج نضالي للحركة العمالية يلتف حوله العمال، وخاصة عمال القطاع الخاص الغائبين عن ساحة العمل النقابي الفعلي، حيث المساحة التي تحتلها قضاياهم في الصحافة «العمالية» لا تتناسب مع نسبتهم في تعداد الطبقة العاملة السورية، لأنهم يشكلون الأغلبية، وهم في ازدياد نتيجة التوسع الحاصل في المنشآت الصناعية للقطاع الخاص، ودخول عمال جدد إلى هذه المنشآت ذوي صفات مهنية متقدمه (بكالوريا صناعية، معاهد صناعية، مهندسين)، وهذا يقتضي من الصحافة العمالية رصد هذا التطور في صفوف الطبقة العاملة، وجذبهم إلى مواقع النقابات، لأن تأثيرهم في العمل النقابي في حال تم ذلك سيكون كبيراً، وإلا ذهبوا إلى مواقع أخرى قد لا تخدم الحركة النقابية.
إن مسؤولية تطوير الصحافة العمالية ورصد نضالات العمال لا تتحملها فقط الحركة النقابية، بل تتحملها أيضاً القوى الوطنية الأخرى التي تطرح في برامجها الدفاع عن الطبقة العاملة وحقوقها وحريتها في التعبير عن مصالحها، وفي المقدمة حقها بالإضراب المطلبي الذي غيبته قوانين العمل السورية وأقرته اتفاقيات العمل الدولية والعربية التي وافقت عليها سورية، والمفترض أن تصبح جزءاً من قوانين العمل السورية. فهل تنطلق الصحافة العمالية مرة ثانية؟!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.