عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة: حصيلة «قاسيون» عمالياً خلال عام: لابد من تنظيم عمالي قوي

كانت الصفحة العمالية وما تزال، ركناً أساسياً من أركان صحيفة (قاسيون)، تقوم بمهامها ليس باعتبارها مراقبة للحدث وللمشهد النقابي والعمالي من بعيد، بل باعتبارها جزءاً فاعلاً في نضال الطبقة العاملة السورية من أجل حقوقها الاقتصادية - الاجتماعية والديمقراطية، ومكاسبها التي حققتها بفعل تضحياتها الجسام التي قدمتها هذه الطبقة المجيدة منذ نشأتها الأولى وهي في حالة جنينية، قبل أن يشتد عودها لاحقاً ويتصلب.

استطاعت الطبقة العاملة وحركتها النقابية بعيد تشكلها أن تتحول إلى قوة هامة ضمن الحركة الوطنية في البلاد، وظلت طوال عقود مدافعة صلبة عن القضايا الوطنية الكبرى، لكن المتغيرات العميقة التي حدثت في المجتمع السوري مؤخراً اقتصادياً واجتماعياً، والتي تلت مرحلة «رخاء»، جعلت الحركة النقابية تراوح في مكانها على (الأقل)، إذ وجدت نفسها غير قادرة على الاستمرار بالشروط السابقة، وفي الوقت نفسه غير قادرة على الإقلاع مجدداً وفقاً للظروف المستجدة التي يتعمق فيها دور قوى السوق، وسيادتها اقتصادياً واجتماعياً.

إن وعينا المبكر لطبيعة ما يجري داخلياً من تحولات، وانطلاقاً من رؤيتنا السياسية لطبيعة الصراع الطبقي الدائر، والذي أدى إلى فرز طبقي واضح المعالم، كل ذلك اقتضى منا كشيوعيين أن نحمل مسؤولية وشرف المساهمة في الدفاع عن الطبقة العاملة، عن مصالحها وحقوقها ومكتسباتها، والوقوف إلى جانب الحركة النقابية ليس على قاعدة الاتفاق الكامل أو الاختلاف الكامل معها، بل على قاعدة وحدة المصير والهدف، فنحن نقول رأينا بصراحة بكل ما يدور داخل الحركة النقابية، منطلقين من أهمية أن تتعزز قدرة الحركة النقابية وقوتها في الدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة السورية، وهذا ما أكدته افتتاحيات (قاسيون) العديدة التي تطرقت فيها إلى واقع الحركة النقابية حيث جاء في افتتاحية العدد /179/ تاريخ 1/8/2002:

(إن بلادنا ومجتمعنا بحاجة إلى حركة نقابية قوية ومؤثرة، تدافع عن مصالح الطبقة العاملة بجرأة وجدية، وهذا مطلب جميع الوطنيين والتقدميين لأنهم يعون تماماً أنه في مواجهة قوى السوق المنفلتة من عقالها، والتي أضحى لها ممثلوها الرسميون، ومطالبها الواضحة لابد من حركة شعبية عمالية عالية التنظيم لمواجهة الضغوطات التي تمارسها قوى السوق المحلية، وبطبيعة الحال فالنقابات مرشحة لأن تلعب هذا الدور لأنها تملك الخبرة والتجربة والتقاليد والكادر الذي يسمح بذلك).

لقد تبوأت (قاسيون) عموماً والصفحة العمالية خاصة، موقعاً متميزاً في أوساط واسعة من الحركة النقابية، وما كان لها أن تنال هذا الموقع لولا تصديها الحازم والجريء للمواقف والإجراءات التي تمس مصالح الطبقة العاملة السورية، وللمواقف التي تضعف من دور الحركة النقابية سواء من داخلها أو خارجها، وذلك انطلاقاً من رؤيتنا في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين لأهمية دور الحركة النقابية والعمالية المفترض أن تلعباه في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، والتي تعمل قوى السوق على التفريط بها.

إن العناوين الكثيرة التي اشتملت عليها الصفحة العمالية على مدار عام كامل تعكس حجم القضايا العمالية والنقابية التي تصدت لمعالجتها، والتي يمكن إيجازها بعناوين رئيسية أهمها:

1 - الأجور: أخذت زيادة الأجور حيزاً مهماً من المعالجة على مدار العام لما تحمله من أهمية في رفع المستوى المعيشي للطبقة العاملة، الذي أخذ يتدنى بشكل ملحوظ نتيجة ارتفاع الأسعار الجنوني، والذي سببته السياسات الليبرالية من تحرير السوق ورفع الدعم، حتى أصبح النضال من أجل زيادة الأجور من مصادر حقيقية مهمة وطنية من الدرجة الأولى، بحيث تؤدي هذه الزيادة إلى تقليص الفارق الحقيقي بين الأجور والأرباح المختل الآن لمصلحة   الأرباح التي تحققها قوى السوق نتيجة النهب والتهرب الضريبي الواسع على حساب ذوي الدخل المحدود.

لقد أكدنا مراراً أن زيادة الأجور للطبقة العاملة ليست منّة من أحد، بل هي حق أساسي من حقوق الطبقة العاملة لن يتم انتزاعه عبر الحوار والتفاوض، بل لابد من دعمه بتبني حق الإضراب للطبقة العاملة  كما تنص على ذلك كافة مواثيق العمل العربية والدولية التي وقعت عليها سورية، دفاعاً عن حقها بأجر عادل يتناسب مع وسطي الأسعار، وهذا يتطلب موقفاً واضحاً بهذا الخصوص من الحركة النقابية المترددة بتبنيه إلى الآن بشكل رسمي.

2 - عمال القطاع الخاص: حظي عمال القطاع الخاص باهتمام والمعالجة المستمرة كونهم الأكثر تعرضاً للاستغلال من قوى السوق، والأقل حماية لحقوقهم المستغلة عدم زيادة أجورهم (الدورية ـ الطارئة)، الطبابة، التأمينات الاجتماعية، والإجازات، ساعات العمل،... إلخ.

ولعبت قاسيون دوراً أساسياً إلى جانب العديد من القوى الوطنية الأخرى في المعركة التي دارت من أجل قانون العمل الجديد /17/، قبل صدوره عندما كان مشروعاً، وأبرزت المخاطر الحقيقية التي سيتعرض لها عمال القطاع الخاص في حال إقراره كما هو مطروح، وبعد صدوره دعت قاسيون للنضال من أجل تعديل العديد من مواده، وخاصة المادة /65/ التي تنص على حق أرباب العمل بتسريح العمال تسريحاً تعسفياً. والآن بدأ العديد من الكوادر النقابية ومن ضمنهم قياديون في الحركة النقابية، يدعون إلى ضرورة تعديل مواد القانون الجديد /17/، وبهذا الموقف يتأكد صحة ما كنا نطرحه سابقاً من مواقف تجاه هذا القانون والمخاطر التي يحملها.

إن معركة تعديل القانون مستمرة، ومازالت في بدايتها، وتحتاج إلى مزيد من القوى من داخل الحركة النقابية ومن خارجها لتسهم في معركة تعديل القانون لمصلحة عمال القطاع الخاص.

3 - الحركة النقابية: سلطت قاسيون على مدار العام الذي مضى وعلى «الصفحة العمالية»، الضوء على أهم مفاصل عمل الحركة النقابية منطلقين من أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركة النقابية في حياة البلاد (الاقتصادية، الاجتماعية السياسية)، لما تملكه من إمكانيات كبيرة على امتداد البلاد، وبهذا الخصوص كنا نتابع باهتمام وبشكل مباشر ما يدور في الاجتماعات والمؤتمرات النقابية حيث نقوم بتغطيتها وتحليلها وتعميم ما جاء بها من مواقف على مجمل الحركة، حتى باتت قاسيون تمتاز بهذا العمل.

لقد أكدنا مراراً أن الظروف الحالية تقتضي من الحركة النقابية إعادة تقييم تجربتها وخبرة عملها التنظيمي السابق للخروج باستنتاجات تطور فيه العمل الحالي في ظل اقتصاد السوق، خاصة وأن الحكومة وعبر سياستها (الليبرالية) التي تنتهجها قد أضرت بالاقتصاد الوطني وبمصالح الطبقة العاملة معاً.