لماذا أضرب عمال مرفأ طرطوس للمرة الثانية؟!
مرة أخرى يعلن عمال مرفأ طرطوس إضرابهم عن العمل من أجل مطالبهم التي تقدموا بها في مرات سابقة، ومازالت لم تنفَّذ إلى الآن، وهي زيادة أجورهم، وإعادة توزيع الكتلة النقدية على العمال المياومين والمؤقتين من عمال الإنتاج بشكل عادل، حيث يتعرضون لمخاطر عدة أثناء تفريغ شحنات البضائع من السفن والبواخر.
إن حرمان العمال من حقوقهم هذه يأتي بسبب ادعاء إدارة المرفأ أن طبيعة عملهم قد تبدلت، فلم يعد العمل اليدوي هو الأساس، بل أصبح التحميل والتنزيل بشكل آلي بواسطة الروافع، وبالتالي فإنهم لم يعودوا يعانون أثناء عملهم كما في السابق. والسؤال: هل من الضرورة كي يحصل العمال على حقوقهم أن يعلنوا عن إضراب أو اعتصام أو احتجاج؟
ستقودنا الإجابة عن هذا السؤال للبحث في الظروف التي يعمل ضمنها العمال، والقوانين المطبقة التي تميز بينهم من حيث الحقوق والواجبات، والشروط القاسية من طبيعة الأعمال التي يستحقون عنها أجوراً عادلة وحوافز مجزية، تميزهم عن الآخرين القابعين خلف المكاتب وفي أجواء مريحة، لا يتعرضون فيها لحر الصيف أو برد الشتاء.
ويعود هذا التفاقم في أوضاع العمال إلى القرارات التي اتخذتها الحكومة السابقة بعدم تشغيل اليد العاملة تحت حجة قلة الموارد وفائض العمالة في المنشآت، فأصبحت تلك المنشآت تعاني من عجز حقيقي في اليد العاملة أثّرت على خطوط الإنتاج وعلى الخطط الإنتاجية، وكذلك أثّرت على المشاريع الخدمية، فكان الحل من وجهة نظر الإدارات، ومن قَبْلِها الحكومة، لتلافي ذاك النقص الحاصل، إجراء تعيينات جديدة بعقود مجحفة بحق العمال، حيث جرى التعيين على أساس الفاتورة أو بصفة مؤقتين أو مياومين، والكثير منهم لا يتقاضى سوى الأجر المحدد في سلم الأجور، وهو الحد الأدنى المنصوص عليه في بدء التعيين. وهذه الظاهرة ليست محدودة في مكان ما أو في موقع إنتاجي بعينه، بل هي عامة نجدها في أغلب أماكن العمل التي تعاني من نقص في اليد العاملة بسبب التسريح، كما حصل مع عمال محروقات بانياس، أو بسبب الوفاة، أو الخروج على المعاش أو الاستقالة.
إن استمرار الإدارات بحرمان العمال من حقوقهم سيجعلهم يلجؤون إلى طرق ووسائل تعيد لهم هذه الحقوق، خاصة وأن الوضع الاقتصادي الضاغط بسبب غلاء الأسعار الذي أدى إلى تدنٍّ في مستوى معيشة العمال، يدفع العمال للقيام بالاحتجاج المطلوب منه تنبيه المسؤولين وأصحاب القرار إلى مطالب العمال وضرورة الاستجابة لها وتأمينها وعدم تأخيرها تحت أية حجج أو مبررات مما تطرحه الإدارات تسويقاً لقراراتها التي تتخذها، مع العلم أن هذه الإدارات والحاشية المحيطة بها تحصل على كامل امتيازاتها دون نقصان، بالإضافة إلى ما يدخل إلى جيوب الكثيرين منهم عبر عمليات الفساد والصفقات الجانبية الجارية في كل مكان وزمان.
إن هذا الوضع العام الكارثي الذي تعيشه الطبقة العاملة السورية، أوصلتها إليه السياسات الحكومية من خلال قرارتها ومراسيمها، حيث كانت تصب ضمن هدف معين واتجاه واحد، وهو إضعاف الاقتصاد الوطني ووضعه تحت رحمة وقيادة قوى السوق، وإلا ماذا يعني توقف الكثير من شركات القطاع العام عن الإنتاج؟ وماذا يعني تأجير المواقع السيادية كالمرافئ والأسواق الحرة؟ وماذا يعني طرح جزء مما تبقى من شركات أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي للاستثمار؟ وماذا يعني فتح باب الاستيراد على مصراعيه للبضائع الأجنبية وتحرير الأسواق وجعلها تحت تصرف التجار والناهبين؟
إن هذا النهج الاقتصادي بمقدماته ونتائجه، قد أدى إلى تفاقم الأزمات الكبرى، ومنها البطالة والفقر وانخفاض مستوى المعيشة، حيث انعكست هذه الأزمات بشكل واضح على مستوى معيشة الطبقة العاملة السورية بشكل عام، وجعلتهم يئنون تحت وطأة الفقر والحاجة، وهذا الوضع الذي وصل إليه العمال لابد من أن يدفع الحركة النقابية باتجاه المطالبة بتعديل أوضاع هؤلاء العمال، والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، وأهمها زيادة أجورهم، وتثبيتهم في أماكن عملهم.. وإلا سيبحث العمال عن نصير جديد!.