المطلوب هو توسيع الحوار النقابي العمالي
دعا اتحاد عمال دمشق إلى جلسات حوارية مع نقابيي دمشق حول الحدث الجاري حالياً في البلاد، والذي - كما نعلم جميعاً- جاء بمثابة زلزال أصابت ارتداداته العنيفة كل طبقات الشعب السوري، ونقلته إلى واقع جديد من حيث التفكير والممارسة على الأرض، وهو ما يعني بدء تشكل فضاءات جديدة في البلاد يجري التعبير الأولي عنها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من خلال ما تطرحه بعض القوى من شعارات ومواقف متباينة ينقصها النضج، حالها كحال الحراك الشعبي الذي مازال بعد في حالته الجنينية من حيث قدرته على بلورة شعاراته ومطالبه لكي تأتي معبرة عن تراكم الاحتقان على مدار عقود من الزمن، والذي شكل بصورة أساسية جذر الحراك والاندفاع إلى الشارع بعد غياب عنه استمر ما يقارب الخمسين عاماً.
إذاً خبرة هذا الحراك في التعبير عن نفسه في بدايتها، وهو الآن يكوّن خبرته وتجربته ليس من خلال النزول إلى الشارع فقط، بل أيضاً من خلال الوعي السياسي الذي يتشكل ويحدد المواقف مما هو جار على الأرض، وعبر الحوار الدائر بين أفراد المجتمع، والذي لا يخلو منه أي لقاء بين اثنين، والذي يمتد إلى المجموعات ذات التوجهات السياسية المتعددة.
أن هذا الفضاء السياسي الجديد الذي يتكون سيفضي إلى تكوينات سياسية جديدة، إلى جانب التكوينات القديمة التي قد تستطيع التكيف والتعايش مع ما هو جديد، ولكن ليس بطريقتها القديمة من حيث الفكر والممارسة، لأن الحراك قد تجاوزها بما خلقه من مفاهيم جديدة جعلته يتقدم عليها بمساحات قد لا يتمكن من اللحاق به أو الاقتراب منه إلا من يستطيع إلى ذلك سبيلاً عبر تطوير ديناميته ومفاهيمه وأطره العصرية.
إن ما يجري الآن في المجتمع من تحولات عميقة (فكرية، سياسية، حقوقية) ستعكس نفسها بالضرورة على شكل منظمات وهيئات، وستطال النقابات والمجتمع المدني، حيث سيؤثر الحراك فيها تأثيراً فاعلاً وحاسماً باتجاه إعادة هيكلتها، وتطويرها بما يتوافق مع المصالح الحقيقية لمن تمثلهم.
وليس سراً أن الحركة النقابية ليست بعيدة عما يجري، بل هي مشاركة به بأشكال مختلفة، ولابد أن يصيبها ويؤثر فيها هذا الحراك العام ويطرح داخلها تساؤلات هامة تحتاج إلى إجابات واضحة وجلية تقدمها للطبقة العاملة، والمجتمع عموماً، وهذه مسؤولية تتحملها الحركة النقابية نتيجة موقعها الذي تحتله، ونتيجة دورها الذي قامت وتقوم به حتى الآن.
إن فتح الحوار داخل الحركة النقابية الآن يعتبر بحد ذاته هاماً جداً سياسياً واجتماعياً، والمهم في هذا الحوار هو أنه أكد على قضايا مهمة وهي حق الاختلاف بالرأي، والمطالب المشروعة للمتظاهرين، وأن ليس كل من يتظاهر هو شريك بالمؤامرة.. ليس المطلوب أن نكون جميعاً لوناً واحداً أو رأياً واحداً، سورية ملك للجميع وحمايتها مسؤولية الجميع، عدم التفريط بسلاح الوحدة الوطنية تحت أي ضغط..إلخ. لقد أكد العديد من النقابيين في الجلسات الحوارية على نقاط جوهرية وهامة وهي:
1- ضرورة محاسبة الحكومة السابقة على سياساتها الاقتصادية التي عمقت الأزمات الاجتماعية، وأعادت توزيع الدخل الوطني لمصلحة الأغنياء الذين ازدادوا غنى وازداد الفقراء فقراً، وفرطت بالاقتصاد الوطني وسخرته لمصلحة الناهبين الجدد.
2- ضرورة مكافحة الفساد وضرب مواقعه ومحاكمة رموزه مهما كانت صفتهم ومواقعهم.
3- التأكيد على دور الحركة النقابية في الدفاع عن القطاع العام ومكافحة الفساد والدفاع عن المنتج الوطني، وعن حقوق العمال، خاصةً عمال القطاع الخاص الذين يتعرضون الآن للتسريح والتوقيف عن العمل.
إن شكل (الحوار) الذي تم حتى الآن غير كاف، ولن يؤدي الغرض المطلوب إلا بمده إلى تحت، أي إلى قواعد الطبقة العاملة في مواقعها الإنتاجية، لأن هذا إن تم سيعطي الحوار مضموناً آخر غير شكلي، بل سيعطيه محتوى ديمقراطياً تستطيع الطبقة العاملة من خلاله التعبير عن نفسها، وهي صاحبة المصلحة الحقيقية في الحفاظ عليه والدفاع عن مواقع الإنتاج، وفي الحفاظ والدفاع عن حقوقها ومطالبها، وفي الحفاظ والدفاع عن سلامة ووحدة سورية أرضاً وشعباً، بالإضافة إلى أن الطبقة العاملة ستتمكن من التعبير عن رأيها بقياداتها النقابية ابتداءً من اللجنة النقابية وصولاً إلى قيادة الاتحاد، ومحاسبة هذه القيادات على أدائها ودورها المفترض في الدفاع عن الاقتصاد الوطني وخاصة القطاع العام الصناعي، وحمايته من السياسات التي أضعفت دوره الوطني في تحقيق النمو المطلوب والتنمية الحقيقية، التي لم تلمس الطبقة العاملة نتائجها مثلها مثل فقراء الشعب السوري الذين لم يلمسوا سوى الحرمان والبطالة والفقر.
إن استمرار الحوار النقابي العمالي والمضي به قدماً، سيفتح الآفاق عند الطبقة العاملة، وسيعبد الطريق أمامها لكي تتجاوز الحركة النقابية موقفها الذي كان مدافعاً إلى حد بعيد عن السياسات التي انتهجتها الحكومة، بل كانت تسوق لها في كثير من الأحيان موقفها داخل الحركة العمالية، فهي وافقت على تصنيف الحكومة لشركات القطاع العام (رابح، خاسر، حدي)، ووافقت على دخول مستثمرين لشركات القطاع العام تحت حجة أن الحكومة ليس لديها موارد تدعم بها الشركات المخسرة (بردى)، ووافقت على مشروع الحكومة في تثبيت العمال المؤقتين الذين لم يثبتوا، ولم تفعل ما هو مطلوب منها تجاه مئات من العمال المسرحين تحت حجج مختلفة، ووافقت على ما جاء بقانون العمال /17/ بعد أن كانت معترضة على قسم هام من مواده.. وغيرها الكثير من القضايا التي لا مجال لذكرها جميعاً.
إن استمرار الحوار يعني طرح كل ما يتعلق بالطبقة العاملة وحركتها النقابية، ابتداءً من تحكم السلطات التنفيذية وغير التنفيذية بمجريات الانتخابات النقابية من اللجنة النقابية، إلى قيادة الحركة وفرض تلك السلطات لبعض القيادات النقابية التي تعبر في مواقفها عن الذي أوصلها إلى هذه المواقع وليس عن الذين ينبغي أن تمثلهم، وهذا الأمر سيان في القطاع العام أو الخاص حيث أرباب العمل يفرضون القيادات النقابية التي تتوافق معهم وبالتضاد من مصالح العمال في هذا القطاع الواسع الذي يشكل أغلبية الطبقة العاملة السورية.
إن إعادة النظر والمراجعة الواسعة من خلال الحوار لبرنامج الحركة النقابية ولآليات عملها ولخطابها النقابي ولتحالفاتها (التشاركية)، سيضع الحركة النقابية على سكتها الصحيحة، وسيضيق إلى حد بعيد الهوة التي اتسعت في الأعوام السابقة بين الطبقة العاملة وحركتها النقابية، وهذا سيعزز وحدة الطبقة العاملة والتفافها حول قيادتها النقابية في مواجهة كل القوى المعادية الداخلية والخارجية التي تريد من الطبقة العاملة أن تنقسم كما تريد لسورية أيضاً أن تنقسم.
فليستمر الحوار فهو خير للطبقة العاملة وللوطن..