أبو فهد أبو فهد

من الأرشيف العمالي: المشكلات المتداخلة للاقتصاد الوطني

تستخدم الإمبريالية أساليب غير عسكرية لتهيئة مقدمات هيمنتها اللاحقة، وأهم هذه الأساليب، هي الأساليب الاقتصادية ـ الاجتماعية، والتي يشكل جوهرها اليوم السياسات الليبرالية الجديدة، والتي تدعو إلى إطلاق حرية حركة الرساميل بكل الاتجاهات، مع ما يحمله ذلك من ضرر خطير على الأوضاع المعاشية للجماهير الشعبية، ومع ما يعنيه ذلك من إلغاء أي دور للدولة في الحياة الاقتصادية ـ الاجتماعية، وتحويلها إلى مجرد شرطي سير يضبط حركة الرساميل حسب القوانين المصاغة لتلبية مصالحها.

إن هذه السياسات تحاول أن تصور بأنه، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتجربته التخطيطية، لم يعد هنالك خيار إلا خيارهم، أي خيار الفوضى الشاملة. وكما هو المعـــروف أن عـــلاقات الإنتاج الرأسمالية التي يغلب عليها الطابع الطفيلي قد سادت اقتصادياً منذ أواسط السبعينيات في بلادنا، وأدى ذلك اجتماعياً إلى ازدياد دور البرجوازية الطفيلية والبرجوازية البيروقراطية الذي تجلى باستيلائها على حصة هامة من الدخل الوطني، من خلال عملية توزيعه وإعادة توزيعه، كما أدى بالمقابل إلى تدهور مستمر في مستوى حياة الجماهير الشعبية، وقد ازدادت حدة هذا الموضوع في التسعينيات من القرن الماضي مع النضوب التدريجي للموارد المتوفرة سابقاً وبخاصة في فترة الطفرة النفطية، مما أدى إلى ركود في التطور الكمي للاقتصاد الوطني الذي شهد قفزات هامة في السبعينيات والثمانينيات، حتى ولو لم تنعكس إيجابياً على مستوى معيشة الجماهير الشعبية، لذلك فإن المشكلات المتداخلة للاقتصاد الوطني، من نقص في النمو، إلى التوزيع غير العادل للثروة، قد خلق الأرضية والمبررات كي تقوم قوى البرجوازية الطفيلية «القوى الكبرى للسوق» والمرتبطة عضوياً بقوى الرأسمال المالي العالمي بالضغط للوصول إلى أمرين:

إعادة اقتسام الحصص مع البرجوازية البيروقراطية باتجاه زيادة حصتها لأنها ترى أن الظروف الإقليمية والعالمية المستجدة تسمح بذلك.

الوصول إلى مواقع القرار السياسي للحصول على الضمانات الكافية لحماية الشكل الجديد لتوزيع الثروة الذي تريده.

مقاومة بعض أوساط البرجوازية البيروقراطية له، انطلاقاً من حرصها على إبقاء الأمور على ما هي عليه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، من أجل الحفاظ على امتيازاتها، وهذا يتناقض مع اتجاهات التطور الموضوعي وقد أثبتت الحياة والتجارب في المنطقة والعالم أن الأنظمة التي لا تستند إلى الجماهير الشعبية في إدارة المجتمع سياسياً، والتي بحكم ذلك لا مستقبل لها، تضطر بالتدريج للتكيف مع برنامج قوى السوق عن طريق المساومة على برنامج حل وسط يعيد توزيع المصالح والمكاسب والمواقع، وهذا الأمر لم يتحقق إلى الآن، بسبب إصرار القوى الكبرى للسوق على موقفها.

استياء أوساط واسعة من الجماهير الشعبية وبدء مقاومة هذا التوجه الذي ترى فيه خطراً كبيراً، وعدواً نهب الكثير وقضى على الكثير من مكاسبها التي تحققت خلال العقود الماضية، ولا تزال تجربة البلدان التي سارت على هذا الطريق ماثلة أمام أعينها، والتي تبرهن أن الانتصار النهائي لبرنامج قوى السوق لا يؤدي إلا إلى مزيد من التبعية للغرب الرأسمالي مع ما يحمله ذلك من مزيد من تدهور للمستوى المعاشي، ومن تباطؤ في التطور الاقتصادي، ومن خطر على السيادة الوطنية والأمن الوطني بمعناه الواسع: الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

 

قاسيون 216 شباط 2004