حكاية معمل وعمال في الحصار
الواقع يفرض نفسه علينا في ظل الانهيار المعيشي الذي يتعرض له العاملون بأجر، فيجبرنا على طرح السؤال التالي: هل أصبح العمال وعائلاتهم على تخوم الجوع؟ أم أنهم ما زالوا يقاومون الحرمان المزمن بأمعاء ممتلئة؟.
يعجز- العاملون بأجر- عن اللحاق بالتراجع المخيف لقيمة الليرة الشرائية وارتفاع الأسعار، سواء كانوا يعملون في القطاع العام أو الخاص، بشقيه المنظم وغير المنظم، وتشير الإحصاءات الاقتصادية بأن متوسط دخل الفرد في سورية 26 ألف تقريباً، وبالتالي فإن الأجر اليومي 850 ليرة سورية، وهذا المبلغ المتواضع في الوقت الراهن لا يمكن أن يشتري به أكثر من سلعتين من السلع الغذائية الضرورية، فهو عملياً يغطي ثمن كيلو مسبحة وربطتين من الخبز، مع العلم بأن مادة (المسبحة) تحديداً هي أرخص ما يمكن شرائه من مواد غذائية، بالإضافة طبعاً (للفلافل والفول) فإن كان الأجر اليومي للعامل السوري، بمختلف شرائحه، غير قادر على تأمين وجبات شعبية رخيصة للعائلة؛ فأية قيمة لهكذا أجر؟ وماذا يستطيع أن يغطي من نفقات؟.
170 ليرة للفرد الواحد
تشير الدراسات بأن متوسط عدد أفراد العائلة السورية 5 أفراد، وبالتالي فإن أجر العامل السوري المعيل لأسرة كاملة سوف يتوزع على كامل هذه الأسرة، وعليه فإن نصيب الفرد الواحد من الدخل العائلي الذي يحصل عليه العامل يبلغ 170 ليرة سورية يومياً، التي من المفترض أن تغطي ضرورات المعيشة جميعها وفق معايير الأمم المتحدة، ووفق الواقع نفسه، وتلك الضرورات تنقسم إلى الغذاء والسكن والصحة واللباس والتعليم والنقل، ولن ندخل في تفاصيل الضرورات المعيشية كلها؛ بل نكتفي بموضوعة الحاجة للغذاء، كوننا نحاول الإجابة عن السؤال المطروح: هل خرجت الطبقة العاملة من مرحلة الحرمان المزمن لمرحلة الجوع والعوز؟.
سندويشة فلافل ... إنجاز حكومي
إن كان نصيب الفرد الواحد 170 ليرة يومياً، سواء كان العامل ذاته أم أحد أفراد أسرته، فمن غير الممكن بهذه الليرات أن يغطي حاجته الغذائية اليومية، مهما حاول أن يتقشف أو يخترع طرقاً توفيرية، ولن تفيده ثقافة الاستهلاك التي تحدث بها أحد الوزراء حين اتهم المواطن السوري بالجهل الاستهلاكي، فبأحسن الحالات ستشتري له سندويشة فلافل واحدة في اليوم، وبما أن الحكومة مازالت مستمرة في سياساتها الاقتصادية المفقرة للطبقة العاملة، وما زالت تنكر بأن هناك أزمة اقتصادية، وتدعي بأنها نجحت بالحفاظ على الصمود الاقتصادي، فإنها ولا شك تعتبر أن قيمة الأجور الحالية التي لا تؤمن من متطلبات المعيشة كلها سوى سندويشة فلافل يومياً، إنجازاً وطنياً وإعجازاً بطولياً يضاف لسلسلة إنجازاتها الكبرى، وعلى رأس هذه الإنجازات ارتفاع معدل النهب والفساد داخل جهاز الدولة وخارجه، وبنسب عالية غير مسبوقة، لهذا فإن وصول الطبقة العاملة لهذه المرحلة الخطيرة من التدهور المعيشي صناعة حكومية بامتياز.
الجوع كافر
لم تمر الطبقة العاملة بأسوأ من هذه الظروف التي تمر بها حالياً، فالفارق المخيف ما بين أسعار ضرورات المعيشة من جهة، وقيمة الأجور الشحيحة من جهة ثانية، تنذر بما هو خطير وكبير، فالإخفاق الاقتصادي الحكومي، الذي عزز قدرة الناهبين على النهب وأضعف قدرة المنهوبين على الاحتمال والصمود، قد فعل فعله وسرعان ما سيدخل الجوع بيوت العائلات العمالية، ليؤلمها ويفقدها صبرها، فالجوع كافر، والطبقة العاملة التي تعودت أن تطعم أطفالها من كد يمينها ترفض أن تستمر سرقة تعبها وترفض أن تجوع.