عمال القطاع الخاص.. والعمل الخاص معهم
اتجه العمل النقابي بمعظمه منذ عقود نحو عمال القطاع العام، الذين ازداد عددهم مع فورة التأميمات التي جرت في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، وكذلك مع جملة المشاريع الإنتاجية والخدمية المنشأة.
مع ورود المساعدات الضخمة بعد حرب تشرين، حيث أخذ العمل النقابي يركز جهوده بهذه القطاعات لاعتبارات كثيرة، منها ما هو سياسي والأخر المتعلق بالوزن الفعلي للطبقة العاملة في قطاع الدولة، الذي تضخم بشكل كبير، بينما الشق الأخر، القطاع الخاص، لم يكن له وزن حقيقي من حيث عدد المنشآت وعدد العمال، أي كان هامشياً إلى حين صدور قانون الاستثمار في التسعينات وبدء القطاع الخاص الاستثمار الفعلي في جوانب اقتصادية متنوعة، أي بدأ مركز الثقل يتحول شيئاً فشيئاً بهذا الاتجاه، ولكن مع هذا التحول لم تتمكن النقابات من رؤية التحولات الجديدة الجارية في واقع عمال القطاع الخاص، من حيث العدد والتوصيف المهني ومستوى التعليم والاختصاصات الجديدة مع الصناعات الجديدة، خاصة في المدن الصناعية التي تضم بين جنباتها العديد من الصناعات الحديثة، التي تتطلب عمالاً ومهندسين يديرونها على مستوى من الخبرة والكفاءة.
تفاقمت مشكلة عمال القطاع الخاص مع اشتداد الهجوم على حقوقهم وتغييب مطالبهم بصدور قانون العمل رقم 17 لعام 2010، هذا القانون الذي صدر برغم التحفظات على الكثير من مواده من قبل النقابات، ولكنه صدر بالصيغه التي طرحها ممثلو الليبرالية الاقتصادية في الحكومة، وهو معبر من الناحية القانونية، وبالتالي السياسية والاقتصادية، عن أعمق المصالح للقوى الرأسمالية العاملة في الاقتصاد السوري، سواءً في جهاز الدولة أو خارجها.
خطوات لابد منها
يزداد واقع عمال القطاع الخاص سوءاً، ومع هذا لم يجر داخل النقابات عمل جدي باتجاه هذا الواقع المأساوي المعاش، بالرغم من التأكيد في المؤتمرات والاجتماعات النقابية على أهمية العمل مع عمال القطاع الخاص، من أجل شد هؤلاء العمال إلى المظلة النقابية، ولكن هناك ممانعة ضمنية من داخل الحركة النقابية ومن خارجها للعمل مع عمال القطاع الخاص، كون أغلبية كوادرها الأساسية قادمون من القطاع العام، والتوجه الفعلي بهذا الخصوص يتطلب قراراً سياسياً من القيادة النقابية، وخبره ودرايه ومعرفه علمية بهذا الواقع، مع مجموعة من الخطوات التي تقنع العمال بأهمية انتسابهم للنقابات، يأتي في مقدمتها حقهم في الدفاع عن حقوقهم دون مُساءلة وعبر أشكال مختلفة، منها حقهم بالإضراب والاعتصام السلميين، وهذا ما لم تتبناه إلى الآن الحركة النقابية، وحقهم في التمثيل ضمن الأطر النقابية المختلفة، بما يتوافق مع وزنهم الفعلي في الطبقة العاملة، وحقهم في المساواة التامة مع عمال القطاع العام بما يتعلق بنهاية الخدمة والسكن العمالي والقروض من المصارف ...الخ من القضايا.
رؤية المتغيرات
إن الاستمرار في العمل النقابي على الطريقة الحالية نفسها، مع عدم رؤية المتغيرات الجارية بواقعهم، يعني خسارة جزء هام من قوى الطبقة العاملة لصالح القوى الرأسمالية، وبالتالي استمرار هذه القوى بالتحكم والسيطرة على مصالح العمال، وهذا لن يستمر طويلاً، مما يعني أن العمال سيبحثون عن الوسائل والأدوات التي ستمكنهم من استرجاع حقوقهم كافة، ولنا في تجاربهم الإضرابية عبرةً، بالرغم من محدوديتها، ولكنها تحوي قدراً مهماً من النجاح من أجل زيادة أجورهم وبعض الحقوق الأخرى، سابقاً وعن قريب، لمن يريد أن يعمل على أساس مصالح العمال وحقوقهم الاقتصادية والديمقراطية.
عمل صعب ولكن مجدي
العمل في القطاع الخاص ليس بالسهولة التي يجري العمل بها مع عمال القطاع العام، كون الأخيران يخضعان لقوانين لا يستطيع رب العمل الحكومي تجاوزها، بالقدر الذي يمكن لرب العمل القيام به من تجاوزات، مع أن العديد من التجاوزات القانونية تمت بحق عمال القطاع العام على أساس المادة 137 من قانون العاملين الأساسي، والذي بمقتضى هذه المادة لا يستطيع العامل أو من يمثله بأن يقاضي الجهة الحكومية التي تسببت بتسريحه من العمل بغير حق، ومع هذا يبقى وضع عمال القطاع العام نسبياً في حالة أفضل من حيث بعض الحقوق المضمونة، منها التأمينات الاجتماعية ونهاية الخدمة...الخ، ولكن عمال القطاع الخاص محرومون من هذه الحقوق، وإن حصلوا عليها فهي بالحد الأدنى لأجورهم يتقاضونها كدفعة واحده.
إن العمل مع عمال القطاع الخاص في المراكز الإنتاجية، في المدن الصناعية وخارجها، يلقى مقاومه من أرباب العمل ولا ينطربون أبداً لوجود النقابات داخل منشآتهم مهما كانت هذه اللجان النقابية، حتى لو كانت مختارةً من قبلهم، لأن هذه اللجان ستكون خاضعة لضغط العمال ومطالبهم فهي مضطرة للدفاع عن تلك المطالب المطروحة، وإن لم تفعل ذلك سينبذها العمال ويبدؤون التحرك من خارجها، كما حدث في عدة تجارب إضرابية في عدرا الصناعية وخارجها.
هذا هو واقع الحال الذي يعيشه العمال، هل بالإمكان تغييره؟ سؤال برسم الحركة النقابية.