عملية الإنتاج (ماشية) ... بأمعاء خاوية
ينذر الوضع المعيشي الحالي للعمال بوصول الأمور لتعقيدات كبرى، فأجر العامل اليوم لا يكاد يغطي تكلفة حاجته من الغذاء الضروري، وهذا كفيل بتعطيله عن العمل وانضمامه لصفوف المهمشين.
لا يملك العامل سوى قوة عمله، فهو بذلك مضطر لبيعها سواء كان هذا العمل ذو طبيعة عضلية أو فكرية، وهي بذلك تعتبر بضاعة ينتجها كل يوم ويبيعها أيضاً كل يوم لرب العمل بالسعر (z) الذي يحدده معدل العرض والطلب، فحين يكون العرض أقل من الطلب فإن سعر هذه البضاعة الخاصة أي (قوة العمل) سيكون أعلى، وحين يصبح العرض أعلى من الطلب ينخفض سعرها.
إنتاج قوة العمل
حين حددنا أن قوة العمل بضاعة فهذا يعني أن لها قيمة (v) كأي بضاعة أخرى، مثال على ذلك (طاولة)، وهي بضاعة تطرح للبيع في السوق لها قيمة، ويتم تحديد قيمتها (بناء على عدد ساعات العمل الضروري اجتماعياً لإنتاجها)، بينما يتحدد سعرها في السوق بناء على العرض والطلب..
وكذلك الأمر بالنسبة لقوة العمل التي تحولت لسلعة، حيث أن قيمتها يجب أن تتحدد بساعات العمل الضروري اجتماعياً لإنتاجها، وعملياً فإن قيمتها تتحدد بقيمة المستلزمات الضرورية لإعادة إنتاج قوة العمل، وتعويض ما فقدته، أما سعر هذه السلعة (قوة العمل) فيتحدد أيضاً في السوق وبناءً على العرض والطلب، فتكون الأجور وهي سعر قوة العمل أعلى من قيمتها (الحاجات الضرورية) إذا كان عدد العمال في المجتمع أقل من حاجات التشغيل، أو إذا كانت نوعية العمل نادرة، فيحصل العمال على أجر عالٍ، ويسد الحاجات الضرورية بل ويزيد. أما في ظروف البطالة فإن الأجر يصبح أقل من القيمة، ولا يحصل العمال على أجر يعادل القيمة الضرورية لتجديد قوة عملهم وهذه هي قوانين السوق، التي تحول قوة العمل البشري، وقدرتهم على الاستمرار إلى سلعة تشترى وتباع..
تجديد قوة العمل
يجدد العامل قوة عمله من خلال أمور أساسية لا بد منها، وأولها: البقاء على قيد الحياة، وبصحة جيدة تمكنه من العمل. ثانياً: هذا يحتاج لشروط عدة وعوامل تلخص بالحاجات المعيشية الضرورية، كالغذاء والدواء والنقل والخدمات ... الخ، وإذا ما فقد بعضاً من هذه الضرورات، أو كلها، أصبح عاجزاً عن تجديد إنتاج قوة عمله، فالمعيار الأساسي لتحديد قيمة الحد الأدنى للأجور في أية دولة من بقاع الأرض لا بد لها أن تنطلق عن تكلفة الضرورات المعيشية للعامل، وهذا مالا تفعله قوى المال العالمي، باستغلال واضح وفاضح للطبقة العاملة على المستوى العالمي، وأما في سورية فان الأرقام التي تصدر من الدراسات المتلاحقة للوضع المعيشي تدل على وصول التدهور المعيشي للعمال إلى دركه الأسفل.
الأجور تعادل نصف معيشة العامل
تشير الدراسة الاقتصادية الأخيرة التي أعدتها (قاسيون) والتي أوضحت أن كلفة الضرورات المعيشية للعائلة السورية المكونة من 5 أشخاص تصل لـ 272 ألف ليرة سورية شهرياً، بمعدل 55 ألف شهرياً تقريباً للفرد الواحد، في حين بلغ متوسط الأجور ما يقارب 27 ألف ليرة سورية، ومن خلال هذه الأرقام يتبين لنا بأن أجر عامل لا يغطي سوى نصف احتياجاته، هو وبالتالي أصبح غير قادر على تجديد قوة عمله وإنتاجها، بغض النظر إذا ما افترضنا بأنه غير مسؤول عن معيشة أحداً آخر.
من فرغت معدته تعطلت يداه
من البدهيات التي لا تحتاج لتوضيح، أو لمؤلفات اقتصادية، بأن أي عامل مهما كانت طبيعة عمله، سواء كانت ذات طابع عضلي أو فكري أو الاثنين معاً، يحتاج لمجموعة متكاملة من العوامل الضرورية كي يكون قادراً على أداء عمله والاستمرار به، وعلى رأس الاحتياجات تلك الغذاء، فليس بمقدور أي إنسان كان أن يعمل وهو جائع أو عطشان، وكما تقول الحكمة (من فرغت معدته تعطلت يداه ) فهل ستنجو الطبقة العاملة من محاولة رميها للمجهول؟ وهل ستبقى عملية الإنتاج التي تعتبر متواضعة أصلاً «ماشية» إذا ما استمرت أمعاء العمال خاوية؟