الحلقة الأضعف ... عاملات (الأمبلاج)
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

الحلقة الأضعف ... عاملات (الأمبلاج)

يسهل الانتباه لمئات الإعلانات الملصقة هنا وهناك، على جدران دمشق وأطرافها العشوائية، والتي تطلب عاملات (أمبلاج) للعمل في معمل خياطة أو غذائيات أو بلاستيك ..الخ، في هذه المنطقة أو تلك, وأكثر ما يلفت الانتباه في مجمل الإعلانات جملة تقول (الخبرة غير ضرورية).

لخبرة غير ضرورية

تلجأ النساء اللواتي لا يحترفن مهنة ما (كالخياطة مثلا) لأي عمل لا يحتاج لحرفة أو خبرة، فهذا العمل كفيل بأن يؤمن لهن بالوقت ذاته أجراً يحتجنه بشدة، خاصة في مثل هذه المرحلة المعيشية الكارثية، فيجدن ضالتهن بالعمل كعاملات (أمبلاج) في أية صناعة أو مهنة كانت، فـ (الأمبلاج) لا يختلف من مهنة لأخرى، إلا بفوارق صغيرة، والعمل في تنظيف الألبسة من خيوطها الزائدة بعد الخياطة (تعريش) لا يختلف كثيراً عن لصق التسعير أو(الباركود)، فكلاهما عمل روتيني صغير تستطيع العاملة الجديدة أن تتقنه في ساعة واحدة، وهو لا يختلف من حيث الأجر أيضاً, فأجور عاملات (الأمبلاج) في المهن كلها والتي يحصلن عليها أقل أجر من بين الأقسام والمراحل جميعها.

انعدام الخيار الأفضل

ليست عاملات (الأمبلاج) كلهن لا يحترفن مهنة أو عملاً, بل هناك الكثيرات منهن قد عملن في مهن وحرف معينة, ويمتلكن الخبرة اللازمة, ولكن انعدام الطلب على مهن أو حرف محددة, يجعلهن مضطرات للعمل في أقسام (الأمبلاج).

فمثلا هنالك الكثير من العاملات اللواتي احترفن العمل على آلات التطريز الإلكتروني لسنوات عديدة, يشتغلن في تعليب الحلويات, وتغليف الكروسان, لعدم وجود فرص عمل لهن في اختصاصهن، الذي عملن به لوقت طويل.

عاملات الأمبلاج يتحركن كالآلات 

لا يوجد ميزات يمكن ذكرها في عمل (الأمبلاج) سوى أن الطلب عليه أكثر من غيره، ولكنه يحمل الكثير من السلبيات والصعوبات, فهو في أغلب المهن عمل رتيب ومتعب وممل, فإما أنه يتطلب الوقوف طوال ساعات العمل, أو أنه يحتاج للجلوس طوال ساعات العمل, وفي الحالتين كلتيهما سيكون متعباً, ناهيك عن عدد الحركات المحدودة التي يتطلبها, والتي ربما لا يتجاوز عددها حركتين أو ثلاث, لترى العاملات كأنهن آلات مضبوطات الحركة والسرعة, مما يسبب لهن إنهاكاً عاماً, ويعرضهن لأخطار الإصابة بأمراض مهنية، كإنقراص الفقرات الرقبية, أو دوالي الساقين، وغيرها.

أجر أقل واستغلال أشد

تقدر ساعات العمل اليومية بالنسبة لعاملات (الأمبلاج) من 8-10 ساعات، يتخللها استراحة الفطور، التي لا تتجاوز في أحسن حالاتها الـ 45 دقيقة، ويقدر متوسط أجورهن بـ 15000 ل.س شهرياً، بمعدل 65 ل.س كأجر للساعة الواحدة، وهن بذلك الأقل أجراً بالنسبة لزملائهم في الاختصاصات الأخرى، وبشكل واضح وكبير، فأجرة الساعة الواحدة لعامل الخياطة، الذي يعمل على (ماكينة الدرزة) تتجاوز الـ 150 ل.س، مقابل 65 ل.س لعاملة تنظيف الخيوط (التعريش)، وبهذا يكون رب العمل قد وصل لهدفه الوحيد المتمثل بأعلى ربح ممكن على حساب أجور العمال بشكل عام وعاملات (الأمبلاج) بشكل خاص.

عاملات بلا خبرة 

عاملات بلا حقوق

يستخدم أرباب العمل جملة (الخبرة غير ضرورية) في إعلانهم لسببين رئيسيين؛ السبب الأول فيهما: أن العمل المطلوب فعلاً لا يحتاج لخبرة، ولكن السبب الثاني يتعلق بالأجر الذي ينوي دفعه لطالبة العمل لديه, فحجته في تحديد الأجر الزهيد لها جاهزة من اللحظة الأولى، ألا وهي أن العمل المطلوب بسيط ولا يحتاج لحرفة أو خبرة، وبالتالي فإنه سيتمكن من فرض الأجر الذي يؤمن له ربحاً إضافياً، وهو بذلك يمتلك نقاط القوة كلها التي لا يملكها في علاقته مع عامل مهني أو خبير، فحرفية العامل قد تحميه من بعض الغبن، مثل الطرد من العمل، كون رب العمل يخشى تعطل مرحلة من مراحل الإنتاج، وكذلك هو مضطر للرضوخ لبعض حقوق العمال الفنيين، كالزيادة الدورية للأجور والحوافز الإنتاجية والإضافي والإجازات المرضية.

 يجد رب العمل نفسه محرراً من هذه الحقوق في مواجهة عاملات (الأمبلاج) اللواتي يعتبرن الحلقة الأضعف دائماً، فهو إن طردهن من عملهن فعملية الإنتاج لن تتوقف, وطابور البطالة الطويل سيجلب له غيرهن, وهو لن يضطر لزيادة أجورهن لبساطة عملهن كما يدعي, وهذا ما يريده بعض أرباب العمل ويرغبون ببقائه متوفراً دائماً ... عاملات بلا خبرة, عاملات بلا حقوق, والرزق على الله.