مكان للعمل أم كهف للمرض؟
تتصدر الصحة والسلامة المهنية قائمة الأولويات بالنسبة للطبقة العاملة، كونها معنية بالركن الأساسي في العملية الإنتاجية، ألا وهي العامل. وقد نصت القوانين على أن المسؤول عن سلامة وصحة العامل هو رب العمل، سواء كان في القطاع العام أو الخاص المنظم، أما عمال القطاع غير المنظم ينطبق عليهم المثل القائل ((فوق الموت عصة قبر)).
تنتشر المعامل الصغيرة، والورشات والمشاغل، في أقبية الأبنية والبيوت الأرضية بمناطق السكن العشوائي، وبنسبة أقل في البيوت العربية القديمة والصغيرة، التي لم تعد تصلح للسكن، وهذه المواقع كلها ليست مخصصة للعمل الصناعي أو الحرفي، ولا تملك أدنى درجات السلامة المهنية، ومن السهولة تلمس ذلك بمجرد زيارة قصيرة لإحدى تلك الورش أو المشاغل.
كل شيء مخالف
رغم معرفة أرباب العمل بعدم توفر شروط الصحة والسلامة في مشاغلهم، إلا أنهم لا يعطون بالاً لذلك! فمشاغلهم ليست مسجلة أو مرخصة، والعاملين لديهم غير منظمين نقابياً، أو مسجلين في التأمينات الاجتماعية ((طاسة وضايعة)) ولا من حسيب, وفي نهاية المطاف يدفع العمال ثمن هذه الفوضى كلها من خلال إصابتهم بأمراض مهنية، أو تعرضهم لإصابة قد تقعدهم في بيوتهم بلا عمل أو دخل كريم .
التهوية عن طريق المنور
تتقدم مشكلة سوء تهوية المشغل على باقي المشاكل، فأغلب تلك الورش والمشاغل لا تتوفر فيها التهوية بالشكل المناسب نسبياً، فبعض ((الِشفاطات)) المركبة في القبو لن تكون كافية لتحسين التهوية للمشغل, ونافذة أو نافذتين على المنور في المشاغل الأرضية غير مجدية بشكل كافٍ أيضاً, ويمكن استثناء البيوت العربية التي أصبحت معملاً صغيراً، كونها بنيت أساساً بطريقة تؤمن دخول أشعة الشمس وتؤمن التهوية الجيدة والصحية، ويمكن إضافة مشكلة الرطوبة العالية للأقبية وبيوت العشوائيات، لانعدام دخول أشعة الشمس لها، وكون أغلب العشوائيات قد بنيت على أراضٍ زراعية أساساً، وبمعايير فنية متدنية.
الرطوبة وأمراض الصدر
إن سوء التهوية وارتفاع نسبة الرطوبة في مكان العمل سيعرض العمال المشتغلين فيه بعد مدة معينة لأمراض مهنية عديدة، خاصة بالجهاز التنفسي، كالتهاب القصبات المزمن وأمراض الربو والحساسية الصدرية، ويمكن أن تتطور لأمراض خطيرة ومميتة كمرض ذات الرئة، ويمكن للعمال، الذين فرضت عليهم الظروف العمل في هكذا أماكن، أن يقوموا ببعض الإجراءات التي تخفف من حدة التأثر ببيئة العمل، كوضع الكمامات القطنية أثناء العمل، والأفضل لهم أن يقوموا بتقسيم ساعات العمل لفترات قصيرة ((ساعتين مثلا)) ويخرجوا بين الفترات لمدة ربع ساعة خارج المشغل، للهواء الطلق والتعرض لأشعة الشمس، مما يريح الجهاز التنفسي والرئتين لدى العامل، ويقيه بشكل جزئي من الأمراض المهنية المعرض لها.
تأمين بيئة العمل
لا يمكن ضمان وقاية العمال من أمراض مهنية بكمامة أو شفاط أو نافذة، بل يصبح ممكناً فقط حين يتم تأمين بيئة عمل صالحة، تتناسب مع نوعية العمل وخصوصيته، وعليه فلا يمكن اعتبار أماكن عمل غالبية عمال القطاع الخاص غير المنظم سوى كهوف تولد الأمراض الجسدية والنفسية على حد سواء.