إحذروا... العمال غاضبون
ترتفع درجات الاحتقان لدى الطبقة العاملة بمعدلات عالية جداً، قد تنذر بتطورات لاحقة لا يعرف غير الله متى؟ وكيف؟ وإلى أين ستؤدي تلك التطورات؟ وهذه القراءة ليست إلا قراءة موضوعية لواقع بتنا نتلمسه بأدق تفاصيله بشكل يومي وفي المواقع كلها.
يزداد الوضع المعيشي الكارثي تدهوراً, ضاغطاً على مجمل الشرائح العاملة بأجر, في القطاعيين العام والخاص, كون الفارق بين الأجر من جهة وأسعار الحاجات المعيشية الضرورية من جهة ثانية، يزداد بشكل يومي دون وجود ملامح توقف لهذا الاتساع لا من قريب ولا من بعيد, فلا دلالات على زيادات حقيقية للأجور, ولا مؤشرات تشير إلى توقف التسارع المخيف للأسعار, ولا موقف واضح من الحركة النقابية يوحي بنفاذ صبرها.
بل على العكس تماما, فالحكومة تستمر بأدائها الاقتصادي المعادي لأصحاب الأجور, والمصرف المركزي مصر بسياساته النقدية على إضعاف القيمة الشرائية لليرة السورية، التي لم تعد قادرة على تغطية أسعار الفلافل ورغيف الخبز.
15 شهر من التدهور الكارثي
سبق وأكدت الدراسات الاقتصادية على صفحات قاسيون وبالأرقام، والتي أصبحت مرجعاً علمياً لأبحاث ودراسات أخرى، حجم التدهور المعيشي خلال العام الفائت 2015، والذي أجهز على أحلام العمال بتغطية نفقات الغذاء فقط، وبالحد الأدنى الكفيل للبقاء على قيد الحياة, لتأتي الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الحالية لتكمل ما فعلته السياسات الاقتصادية والنقدية خلال سنين الأزمة بشكل عام، وخلال سنة 2015 بشكل خاص, واضعة العمال أمام خيار واحد وهو البحث عن حلول ليست لإخراجهم من فقرهم وحرمانهم وبردهم، الذي قاوموه لسنين عديدة، بل لمنع الجوع والمرض والعوز عن أطفالهم.
غياب البرنامج
عُقدت المؤتمرات النقابية وانتهت دون أن تتبنى خطة عمل، تُخرج العمال من واقعهم المزري، ودون أن تطرح برنامجاً يواجه الهجوم المتلاحق على مصالحها ويكون قادراً على تحشيد العمال خلفها وتطمينهم بالدفاع عنهم, ولم تتبنَّ أي إجراء ردعي كي تواجه به السياسات المعادية لمصلحة الطبقة العاملة كلها،اصمدوا ... والنهب شغال
لا يكاد يخلو تجمع عمالي، في القطاع العام أو الخاص، من الشكوى والتذمر والنقاش المستمر عن انعكاسات ارتفاع الدولار وغلاء الأسعار، وعدم وجود حلول بالمدى المنظور، وبات الحديث الشاغل للعمال والموظفين طريقة الخروج من هذا الوضع.
وإن اختلفت الآراء في الكثير من التفاصيل إلا أن القاسم المشترك هو ذلك الغضب الشديد مما آلت إليه الأمور، بالإضافة لبحث سبل الخروج من حالة الشعور بالعجز عن تأمين طعام الأولاد ولباسهم ودوائهم، متسائلين عن المعادلة الحسابية التي يمكن لها أن تجعل العشرين ألف (تفتح بيت)؟.
ولعل أولى الجهات بالإجابة عن هكذا سؤال هما الحكومة وحاكم مصرف سورية المركزي، لعلهما يتحفوننا بطلاسم اقتصادية جديدة وخطابات وطنية تتحدث عن رمزية الليرة وصمودها، وعن ثقافة الاستهلاك وقلة الموارد وضريبة الحرب!، وكأن عمالنا لا يعرفون بمئات الملايين التي تُنهب بفعل المضاربات المالية، أو أنهم لا يعرفون كمية الأرباح المتروكة للقطاع الخاص، ولا يعرفون بتلك الأرقام الكبيرة في فاتورة التهرب الضريبي والجمركي، والقائمة تطول.
يا جماعة .. الجوع كافر
إن حالة الفقر الشديد التي أصابت طبقتنا العاملة، وانسداد الأفق أمامها، خاصة بظل المستوى المؤسف من الخطاب التضليلي للحكومة، (ما بقى يطعمي خبز)، والذي يستخف بعقول العمال ويسخف أوجاعهم، فتطلب منهم الصمود من أجل الوطن، والناهبون يصولون ويجولون، ويعبئون شوالات الدولارات من دماء وعرق صمودهم، يضعهم أمام خيارات تضيق بهم يوماً بعد آخر.
ومن يراهن على عجز طبقتنا العاملة عن انتزاع حقوقها المختلفة بالوسائل المشروعة التي تضمنها القانون وكفلها الدستور، هو أعمى بصيرة.
فالجوع يا أولي الألباب كافر.